هذا الانتساب فإن صدقوا، وكانوا على حالة ترضى الله تبارك وتعالى أيدهم على قلتهم وضعفهم المادى.
ثالثا: إذا لم يكن للحق من ينتسب إليه انتسابا صحيحا كما كان الحال فى انتساب المشركين إلى البيت الحرام، حيث عبدوا الأوثان، ووضعوها حوله، فإن الله تعالى يحمى بيته وينصر الحق لا لكرامة هؤلاء المشركين، وإنما لأنه حق بلا أهل يعتدّ بنسبتهم إليه.
وهذه السنة بهذا الإيجاز تطمئن المؤمنين بأن الله ناصرهم ومؤيدهم، وأنه يجبر ضعفهم وقلتهم، وأنه سبحانه سيمكن لهم فلا يرهبون كافرا، ولا يخشون معاديا متربصا.
وأما التنبيه ولفت النظر للمشركين فإنما يمكن فى تجنبهم مخاطر أبرهة وجيشه وكيف أنعم الله عليهم بهذه النجاة حتى حسبوا ذلك نصرا لهم. قال ابن كثير رحمه الله: فهذه من النعم التى امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة، ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله وأرغم آنافهم وخيّب سعيهم وأضلّ عملهم وردّهم بشرّ خيبة، وكانوا قوما نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإنه فى ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ولسان حال القدر يقول: لم ينصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذى سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبى الأمى محمد- صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء.
فكان مقتضى هذا الإنعام أن يفتحوا صدورهم ويقبلوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مستجيبين طائعين، وأن يعبدوا رب هذا البيت، وأن يخلعوا من قلوبهم عبادة الأصنام. فهذا تنبيه لهم يشبه التنبيه فى سورة قريش حيث يقول الله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤).
إن سورة الفيل تفتح عيون المؤمنين والكافرين كذلك للعبرة التاريخية، فالقرآن الكريم يمنح الناس جميعا خلاصة تجارب السابقين من المؤمنين والكافرين وكيف كان


الصفحة التالية
Icon