كما روى النسائى حديثا لجابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اقرأ يا جابر» قلت: وما أقرأ بأبى أنت وأمى؟ قال: «اقرأ قل أعوذ برب الفلق، و «قل أعوذ برب الناس» فقرأتهما فقال: «اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما».
وأما أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنه فتبين كيف كان النبى صلّى الله عليه وسلم يقرأ بهن، وينفث فى كفّيه ويمسح بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، وقالت أيضا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات، وأمسح بيده عليه رجاء بركتها روى ذلك الإمام مالك، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، ورواه البخارى عن عبد الله بن يوسف. ومسلم عن يحيى بن يحيى وعيسى بن يونس، وابن ماجة من حديث معن وبشر بن عمر ثمانيتهم جميعهم عن مالك به.
وفى حديث أبى سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما، رواه الترمذى والنسائى وابن ماجة، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح «١».
ونزول المعوذتين بعد ذكر أصحاب الفيل فى سورة الفيل وعداوتهم، وقدومهم لهدم البيت العتيق، وبعد ذكر الكافرين وعداوتهم الملحوظة والمشاهدة، ومنها هذه المساومة على العقيدة والمبادئ، وحسم الأمر فيها فى سورة «الكافرون»، يبصّر المؤمنين بمصادر أخرى للعداوة والشر، ولكنها مصادر ضعيفة على خطرها وعلى استعمال شرها، وأن المؤمن يجد فى اللجوء إلى ربه والاعتصام به ما يحميه من هذه الشرور. فهذا تنبيه وتعريف بالمخاطر من جهة وحتى يكون المؤمنون على بينة من أمرهم ومعرفة بمصادر الخطر حولهم، وأن يتعرفوا فى الوقت نفسه كيف يسلمون من هذه المخاطر، وكيف يطمئنون إلى حماية الله لهم فهو ربهم ورب الخلق أجمعين، وأنه سبحانه يوجههم إلى طلب هذه الحماية وهذا الاعتصام وينزّل من آياته ما يصلون به إلي هذا الأمن من المخاوف. وهذا تأكيد لهذه الحماية حيث عرفهم طريقها بقراءة المعوذتين فهما عوّذتا صاحبهما أى: عصمتاه من كل سوء «٢».
فما هذا السوء؟ وما المخاطر التى عرّف بها المؤمنون فى سورة الفلق، وفى
(٢) المصباح المنير ٤٣٧.