أحب إلىّ من أن أتكلم به، قال فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «الله أكبر الله أكبر والحمد لله الذى ردّ كيده إلى الوسوسة» ورواه أبو داود والنسائى. وعلى ذلك فإن مثل هذه الوسوسة لا يخشى منه المؤمن بل تدلّ على صريح الإيمان المستهدف من الشيطان ويبقى أن يقاومه المؤمن بذكر الله تعالى والاستعاذة به فلا يضرّه الشيطان بشيء إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦) [النساء] وعلى ذلك لا يعطيه المؤمن أكبر من حجمه هذا ولا ينسب إليه ما ليس له وقد صحح النبى صلّى الله عليه وسلم لرديف له قال عند تعثر الحمار: تعس الشيطان، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتى صرعته وإذا قلت: باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب» تفرد به الإمام أحمد وإسناده جيد قوى وقال ابن كثير: فيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب وإن لم يذكر لله تعاظم وغلب.
وإذا عجز الشيطان مع الإنسان فى عقبة الكفر استمرت محاولة الشيطان للوقيعة بالإنسان فى كبائر الذنوب بتصغيرها فى عينه، وبتزيين الفعل مع الأمل فى التوبة وغير ذلك من الأساليب الشيطانية، فإذا عجز زين له صغائر الذنوب ليستمرئها الإنسان ولا يستشعر خطرها، فإذا عجز زين له من المباحات ما يشغله بها شغلا كاملا عن
فعل القربات والمسارعة فى الخيرات، وهكذا لا يدع له سبيلا إلا وقعد فيه، بل لم يترك كذلك ما يتعلق بالعلاقات بين الناس وما يحدثه من ظن سيئ ووقيعة حذّر منها النبى صلّى الله عليه وسلم فى توجيهه الذى رواه الشيخان فى الصحيحين عن أنس فى قصة زيارة أم المؤمنين صفية للنبى صلّى الله عليه وسلم وهو معتكف وخروجه معها ليلا لردّها إلى منزلها فلقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبى صلّى الله عليه وسلم أسرعا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيى» فقالا: سبحان الله، يا رسول الله فقال: «إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم وإنى خشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئا- أو قال شرا».
هذا هو شر الوسواس الخناس من الجنّة- يحذّر منه المؤمنون فى مكة المكرمة، فهو الذى زين للناس اتخاذ الأصنام آلهة من دون الله، وهو الذى زين للناس تعليق حياتهم بها رغبة ورهبة، وهو الذى زين لهم شتى الضلالات ووقعوا فيها وجاء الرسول صلّى الله عليه وسلم ليخرج الناس بإذن ربه من هذه الضلالات إلى الهدى وإلى النور، ويبقى لاستقامة الناس على الهدى أن يحذّروا من معاودة التزيين الشيطانى لهم، فالزرع ينبغى أن ينمّى من جهة، وأن يحمى من العوادى من جهة أخرى وكان هذا منهج الإسلام فى بنائه