قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: «انسب لنا ربّك؛ فأنزل الله عز وجل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢). والصمد الذى لم يلد ولم يولد لأنه ليس شىء يولد إلا سيموت، وليس شىء يموت إلا سيورث. وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤) قال: لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شىء. وروى عن أبى العالية: أن النبى صلّى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم فقالوا: انسب لنا ربّك. قال: فأتاه جبريل بهذه السورة «قل هو الله أحد» فذكره نحوه، ولم يذكر فيه عن أبىّ بن كعب. وهذا أصحّ.
قاله الترمذى.
يقول القرطبى بعد إيراده هذا فى سبب النزول: ففي هذا الحديث إثبات لفظ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) وتفسير الصمد «١».
وهذا الذى ذكر فى سبب النزول يقوي مكية السورة ويكون ما ذكر فى السورة الكريمة من تنزيه الله سبحانه عن ادعاء النصارى واليهود وغيرهم مما عرف وشاع عنهم وعن غيرهم من الضلالات فى تصورهم للألوهية وصفات الله سبحانه فقد نفى الله سبحانه فى السورة الكريمة عن نفسه أنواع الكثرة بقوله أحد، ونفى النقص والمغلوبية بلفظ الصمد (على ما سنعرف من معانى «الصمد») ونفى المعلولية والعلّيّة بلم يلد ولم يولد، ونفى الأضداد والأنداد بقول «لم يكن له كفوا أحد». ولذلك فالسورة تبسط فى مقام الرد أمام الناس جميعا ما انحرفت فيه البشرية وما وصفت به الطوائف الضالة ربّها فأبطلت السورة الكريمة مذهب الثنوية القائلين بالنور والظلمة وعرف هذا لدى الفرس وفى جنوب الجزيرة العربية الذين تبعوا الفرس فى هذا «٢» وأبطلت قول النصارى فى التثليث، والصابئين فى الأفلاك والنجوم، وأبطلت السورة الكريمة قول من ادعى خالقا سوى الله سبحانه لأنه لو وجد خالق آخر لما كان الحقّ مصمودا إليه فى طلب جميع الحاجات. وأبطلت كذلك مذهب اليهود فى عزير
والنصارى فى المسيح والمشركين فى أن الملائكة بنات الله. وأبطلت كذلك مذهب المشركين فى جعل الأصنام أكفاء لله وشركاء، سبحانه وتعالى عن قولهم وعن فعلهم «٣».
ومما ذكر فى سبب النزول كذلك أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: إلام تدعونا يا محمد؟ قال: «إلى الله عز وجل». قال: صفه لى، أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، فنزلت هذه السورة، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ذكر هذا ابن
(٢) الظلال ٨/ ٧٠٦.
(٣) التفسير الكبير للرازى ٣٢/ ١٨٥