سقوط النجم فى الأفق فى آخر الليل عند إدباره. والذى أبدع هذه الآيات الكونية المشاهدة هو الذى أرسل صاحبكم إليكم، وهو الذى اختاره، وهو الذى حفظه من الضلالة والغواية. وأنتم قد عايشتموه أربعين عاما قبل أن يوحى إليه وصحبتموه فيها صحبة قريبة عرفتم فيها صفاته ولقبتموه بالصادق الأمين وكلمتموه فى معضلات أموركم، وعرف فيكم بصفات الإنسان الكامل فلا يليق بعد أن جاءكم برسالة ربه إليكم أن تغالطوا أنفسكم وأن ترموه بالضلال والغواية وهذه شهادة الله فيه مصحوبة بهذا القسم
الكريم ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن هوى نفسه. ولا يتبع إلا ما أوحى إليه وما تسمعونه منه فيما يخبركم به عن الله تعالى وعن شرعه فإنه من وحي الله إليه.
فهذه هى المسألة الأولى والأساسية والتى يؤسس عليها الدين كله، إنها التصديق بالوحى فالذى يؤمن بالوحى يؤمن بما يتبعه. والذى يكذب بالوحى فقد هدم أساس الرسالة ولا يرجى منه بعد ذلك خير.
المسألة الثانية: والتى ترتّب على التصديق بالوحى. الاطمئنان على مسيرته من الله سبحانه إلى رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم فتذكر سورة النجم فى هذه المسألة قوله تعالى:
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى. فالذى يحمل إليه وحى الله وصف بالقوة، وهذا يطمئن من أن الشياطين وغيرهم لا يستطيعون سلب ما معه من علم، ولا يستطيعون التأثير عليه لتغيير ما يؤمرون به، فجبريل الأمين شديد القوى. وقد أيقن الرسول من رؤيته بحالته التى خلقه الله عليها فى أول نزول الوحى بحراء، فقد دنا منه فكان فى قربه منه قدر قوسين أو أقرب من القوسين. فليس جبريل بعيدا عنه إنه عرف صورته وعرف صوته وعرف قوته وأمانته. وما يعلمه جبريل الأمين القوى الذى لا يخون والذى لا يجرؤ عليه أحد يجد هذا العلم سبيله إلى فؤاد النبى صلّى الله عليه وسلم أى فى أهم ما يحمل الإنسان وأهم ما يميز الإنسان فى القلب، فاتفق فؤاد الرسول صلّى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحى الذى أوحاه الله إليه، وتواطأ عليه سمعه وبصره وقلبه، وهذا دليل على كمال الوحى الذى أوحاه الله إليه،


الصفحة التالية
Icon