وأن مسيرة الوحى لا شك فيها ولا شبهة «١». وأنه لا يحق لأحد أن يشك فى ذلك.
المسألة الثانية فى السورة الكريمة: التأكيد على طريق المعرفة الغيبية التى خص الله بها رسوله صلّى الله عليه وسلم فيما يغيب عن الناس علمه، ولا سبيل إلى معرفته إلا عن طريق إخبار الله لرسوله صلّى الله عليه وسلم، وقد ذكرت السورة نماذج من ذلك يتضافر فيها علم الغيب مع ما يشاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجبريل عليه السّلام الذى رآه بالأفق الأعلى رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى. ومعرفته بما يخبره الله من الغيب يقينية كالمشاهدة تماما.
فالذى يحمل الوحى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يجمع بين صفتى الأمانة والقوة فهو أمين لا يخون ولا يغير ولا يبدل وقوي لا يجرؤ أحد من استلاب شىء منه عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١٠) وبهذا ينتفى الشك ويتأكد الاطمئنان ويثبت اليقين. وجبريل عليه السّلام الذى رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلم على صورته وسمع صوته، فى غار حراء قد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى، وهنا تعرض السورة مسألة أخرى ينبغى أن يحيط الناس علما بها وهى أن ما يتعلق بالغيب الذى لا يشاهدونه، فلا سبيل لهم إلى معرفته إلا عن طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم فالله سبحانه يطلعه على ما شاء، ويريه من آياته ما يشاء، وقد عرفوا صدقه هو- أيضا- وأمانته فينبغى أن تفتح له العقول والقلوب؛ لتستقى منه علوم الغيب التى يطلعه الله عليها ويخبره بها.
وذكر المرة الثانية التى رأى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم جبريل عليه السّلام فى قوله تعالى:
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) ترجح ما ذكره جماعة من العلماء من أن الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة بأعوام لأن الآيات الكريمة- هنا- تذكر رؤية النبى صلّى الله عليه وسلم لجبريل عليه السّلام نزلة أخرى عند سدرة المنتهى أى أنه قد وقع، وتأتى سورة الإسراء بعد ذلك بعد ست وعشرين سورة كريمة لتذكرنا بالإسراء، وسورة الإسراء مكية إلا بعض الآيات وسنذكرها- إن شاء الله- فى حينها- وقد حكى القرطبى الاختلاف فى تاريخ الإسراء فقال: وقد اختلف العلماء فى ذلك- أيضا- واختلف فى ذلك على ابن

(١) تفسير السعدى ٧/ ٢٠٥.


الصفحة التالية
Icon