راكبا وعليه درع ومعه راية سوداء.
وبعد أن تناولنا أطراف الموقف التربوى فى سبب نزول الآيات الكريمة من سورة عبس، والذى يعالج عقبة من العقبات التى وقفت فى وجه الدعوة من ناحية، وأفسدت علاقات الناس بعضهم ببعض من ناحية أخرى. نذكر أنه قد نبه كثير من العلماء الذين فسروا هذه السورة الكريمة إلى هذا الموقف التربوى وأدركوا هذه القيمة التى ترسيها سورة عبس بهذا الموقف، فمما يذكره القرطبى فى هذا إبراز الحالة التى كان عليها الموقف من إقبال ابن أم مكتوم، والنبى صلّى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى، وقد قوى طمعه فى إسلامهم، وكان إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم فجاء ابن أمّ مكتوم وهو أعمى فقال: يا رسول الله علمنى مما علمك الله، وجعل يناديه ويكثر النداء ولا يدرى أنه مشتغل بغيره حتى ظهرت الكراهة فى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقطعه كلامه «١».
كما يذكر القرطبى من قول العلماء فى ذلك أن الله تبارك وتعالى عاتب رسوله صلّى الله عليه وسلم حتى لا تنكسر قلوب الفقراء وليعلم الناس أن المؤمن الفقير خير من الغنى الذى أعرض، وكان النظر إلى المؤمن أولى- وإن كان فقيرا- من النظر إلى غيره من الأغنياء طمعا فى إيمانهم، وإن كان ذلك- أيضا- نوعا من المصلحة «٢». وكل هذا يبرز لنا حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم على هداية الناس وخاصة من كان بعيدا، وأما من آمن فإن الوقت متّسع له وكان منّ الله عليه بالإسلام.
ويذكر القرطبى كذلك ما جاء نظير هذه الآية فى العتاب من قوله تعالى فى سورة الأنعام: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ [الأنعام: ٥٢] وكذلك قوله تعالى فى سورة الكهف: وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الكهف: ٢٨] «٣» وهذا تأكيد لإبراز هذين النوعين من الناس وأن النوع الأعلى هو المؤمن مع فقره. فالميزان الجديد والمقياس الصحيح الذى يقاس به الإنسان فى حكم الإسلام ما يتمتع به من إيمان وتقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: ١٣] وأما ابتدعه الناس من مقاييس يتفاخرون بها ويعلو بعضهم على بعض من مال وعصبية فلا وزن لها عند الله وبهذا تسعد البشرية.
وأما صاحب التفسير الكبير فيثير مجموعة من التساؤلات ليؤكد- أيضا- هذا المعنى
(٢) المرجع السابق ١٩/ ٢١٢، ٢١٣.
(٣) المرجع السابق ١٩/ ٢١٤.