فكان الموقف الذى عالجته سورة عبس فى آياتها الأولى فى وضوح لدى المؤمنين ولدى المعرضين فهذا الموقف الاجتماعى يخص الفريقين. وظل هذا الغرس للقيمة الجديدة يجد غذاءه فى الآيات القرآنية الكريمة بعد ذلك، وفى توجيهات الرسول صلّى الله عليه وسلم وفى الممارسات العملية التى نتناول بعضا منها إن شاء الله.
ومما تضمنته سورة «عبس» من الجوانب التربوية والمعانى الكريمة إبراز الجانب التربوى فى موقف الرسول صلّى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم رضي الله عنه أثناء
دعوة جماعة من المشركين وهذا الجانب التربوى الذى أبرزه المفسرون فى تناولهم للسورة الكريمة والذى ركزنا عليه حتى لا يغيب فى جوّ العتاب والتربية الجديدة فى الموقف والتى تعلى الإنسان بتقواه وليس بماله وجاهه وعصبيته. ظل هذا المعنى مرعيا فيما يتنزل من قرآن كريم وما يقدمه الرسول الكريم من توجيهاته ومواقفه العملية التى يذيب فيها ما اعتاده الناس من قيم جاهلية؛ فساوى صلّى الله عليه وسلم بين أصحابه ولم يقدم أحدا إلا بالمقياس الجديد. فآخى بين المهاجرين والأنصار عند ما قدم المدينة فجعل عمه حمزة ومولاه زيد بن حارثة رضي الله عنهما أخوين، وجعل خالد بن رويحة الخثعمى وبلال بن رباح أخوين.
وزوّج صلّى الله عليه وسلم بنت خالته زينب بنت جحش الأسدية لمولاه زيد بن حارثة. كما بعث زيد بن حارثة أميرا في غزوة مؤتة وجعله الأمير الأول ويليه فى الإمارة جعفر بن أبى طالب، ثم عبد الله بن رواحة الأنصارى، على ثلاثة آلاف من المهاجرين والأنصار فيهم خالد بن الوليد رضي الله عنهما.
وفى آخر العمر المبارك للنبى صلّى الله عليه وسلم أمّر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم يضم عددا كبيرا من المهاجرين والأنصار فيهم وزيراه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وفيهم سعد بن أبى وقاص وله قرابته وسبقه إلى الإسلام رضي الله عنه. ولما طعن بعض الناس فى إمارة أسامة لحداثته كان جواب النبى صلّى الله عليه وسلم فيما حكاه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بقوله: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثا أمّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنهما فطعن بعض الناس فى إمارته، فقال النبى صلّى الله عليه وسلم:
إن تطعنوا فى إمارته فقد كنتم تطعنون فى إمارة أبيه من قبل. وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلىّ. وإن هذا لمن أحب الناس إلىّ» «١».
وهو الذى قال عن سلمان الفارسى: «سلمان منا أهل البيت» «٢» تحطيما للعصبية

(١) أخرجه الشيخان والترمذى، وانظر: الظلال ٨/ ٤٦٢ وما بعدها.
(٢) أخرجه الطبرانى والحاكم.


الصفحة التالية
Icon