إن السورة الكريمة تنبه الإنسان إلى قيمة نفسه، وما جعله الله عليه من تكريم، ليعرف قدره وليحافظ على هذا التكريم بالمنهج الذى ذكرته السورة والذى فصل فى السور السابقة واللاحقة من الإيمان الصحيح والعمل الصالح وما يتفرع عنهما، فمنذ الآية الأولى فى التنزيل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) [العلق] والآيات القرآنية تعرف الإنسان بحقيقة نفسه ومقوّمات وجوده، وكيف يسعد فى مصيره وتفصيل القول فى الجوانب المتعلقة بالإنسان حتى يصبح الإنسان عارفا بما ينبغى أن يعلم من أمر نفسه قال تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) [الذاريات] وقال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: ٥٣] وعلى ذلك فإن الإنسان كما جاء فى كتاب الله تعالى: هو هذا المخلوق الذى خلقه الله بيده وهذا شرف للإنسان الأول أبى البشر آدم عليه السّلام بهذا التخصص فى الخلق فقال الله تعالى: قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥] وهذا تشريف وتكريم لمن استقام من ذريته. ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعله فى أحسن تقويم، وفى أجمل صورة ركّبه.
وهو المخلوق المكلّف، وهذا التكليف بنى على ما منح الله الإنسان من ملكات، ومن القدرة على الاختيار وعلى المشيئة، وهو الإنسان المسئول عن عمله والمجزىّ به على الإحسان إحسانا، وعلى الإساءة عقوبة، وهو بهذا التكليف والوفاء به والقيام بواجب المسئولية استحق الخلافة فى الأرض والقيام بشئونها يوجّهه وحى الله وهديه وهو الإنسان المكرم والمفضل على كثير مما خلق الله، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (٧٠) [الإسراء] ولكنّ هذا التكريم- مرتبط بمدى استجابة الإنسان لوحى ربه وامتثاله لأمره ونهيه، فإذا كان لله طائعا ظل فى دائرة التكريم، وإن أعرض وتولى خرج من التكريم إلى دوائر أخرى مهينة، وقد خرج القرآن الكريم بذلك وأعطى نماذج تدل عليه، ومن هذا قوله تعالى: وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣) [العصر] ومنها ما فى هذه السورة الكريمة من قوله تعالى:
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦).