كما يقدم القرآن الكريم- لنا- نماذج بشرية آتاها الله الآيات فأعرضت عنها، ولم تنتفع بها فشبّهت بحيوانات مهينة كما جاء فى قوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف] كما أن فى التعبير عن هذه الحالة بالانسلاخ دلالة على أن الاستجابة للآيات تجمّل الإنسان وتجعله فى موضع الكرامة، والإعراض عنها يقبّحه، كما يكون جميلا بجلده الحسن، قبيحا وهو مسلوخ، ومنظره تشمئز منه النفس.
كما يعرض لنا القرآن الكريم نماذج أخرى عطلت القلوب فلم تعقل بها وعطلت الآذان فلم تسمع بها الحق، وعطلت العيون فلم تبصر بها فقال عنهم: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف: ١٧٩].
وكذلك مثل من أوتى العلم النافع فلم يستجب له شبّه بالحمار يحمل أسفارا وعلى ذلك نقول: إن بقاء الإنسان فى دائرة التكريم مرتبط باستجابته لوحى ربّه.
ومن مظاهر هذا التكريم فى السورة الكريمة أيضا أن تكتب لهم حسناتهم وتمحى عنهم سيئاتهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهم الذين أدركهم الكبر لا يؤاخذون بما عملوه فى كبرهم. وروى الضحاك عنه قال: إذا كان العبد فى شبابه كثير الصلاة كثير الصيام والصدقة، ثم ضعف عما كان يعمل فى شبابه أجرى الله عز وجل له ما كان يعمل فى شبابه وفى حديث قال النبى صلّى الله عليه وسلم: «إذا سافر العبد أو مرض كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا»، وقيل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنه لا يخرف ولا يهرم ولا يذهب عقل من كان عالما عاملا به، وعن عاصم عن عكرمة قال: من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر». فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) أى غير مقطوع أى يستمر الأجر بغير عمل بعد أن يصل المؤمن الصالح إلى الكبر.