سورة «القارعة»
وهى سورة مكية بالإجماع نزلت بعد سورة «قريش» وهى امتداد لبيان الصنفين من الناس، والمصير الذى إليه يصيرون فى الآخرة قال تعالى: الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١).
فالسورة الكريمة تقرع آذان الناس بما سيكون من أمر المصير وسميت بالقارعة وهى من أسماء يوم القيامة كالحاقة والطامّة والصّاخّة والغاشية، وغير ذلك؛ لأنها تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها.
ولكى ينتبه الناس إلى حقائق يوم القيامة كان الأسلوب القرآنىّ فى السورة الكريمة آخذا بالقلوب لبيان عظم أمرها وهول ما فيها، وأن مصير الناس فى هذا اليوم مرتبط بحالهم مع وحى الله فى هذه الحياة فمن سلك الصراط المستقيم وعاش على قيم الإسلام عقيدة وخلقا وسلوكا كان ذا قيمة عند الله وثقل ميزانه، ومن أعرض ولم يستجب خفت موازينه، وهوى فى الجحيم والعياذ بالله، روى عن أبى بكر رضي الله عنه أنه قال: «إنما ثقل ميزان من ثقل ميزانه؛ لأنه وضع فيه الحقّ، وحقّ لميزان يكون فيه الحقّ أن يكون ثقيلا، وإنما خفّ ميزان من خف ميزانه، لأنه وضع فيه الباطل، وحق لميزان يكون فيه الباطل أن يكون خفيفا» «١». وفى الخبر عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم: «أن الموتى يسألون الرجل يأتيهم عن رجل مات قبله، فيقول: ذلك مات قبلى، أما مرّ بكم؟ فيقولون: لا والله، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية»، وقد ذكره القرطبى بكماله فى كتابه التذكرة، وأورد ابن كثير مثله فى تفسيره وأورده فى كتاب صفة النار «٢».
كما تقدم السورة الكريمة بيانا للناس فى شأن ما يشاهدون فى حياتهم الدنيا وكيف يكون حاله فى الآخرة. أما الناس الذين ترى فيهم الكبر والغرور والإعراض والتمرد

(١) القرطبى ٢٠/ ١٦٧.
(٢) ابن كثير ٤/ ٥٤٣.


الصفحة التالية
Icon