لا يبقى مجال للنسيان، والغفلة فالتذكير والتفضيل يأخذ باللب من كل جانب ليدرك الإنسان موقعه ولتصحّح النفس من حالها، ولترتقى فى شأنها حتى يكون صاحبها من أصحاب الوجوه الناضرة.
فالمقسم به فى السورة الكريمة على ما أجمع عليه المفسرون يوم القيامة والنفس اللوامة، وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وأقسم سبحانه بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة. والنفس اللوامة هى التى تلوم صاحبها على تقصيره، أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها. قال الحسن:
هى والله نفس المؤمن لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه: ما أردت بكذا ما أردت بكذا، والفاجر لا يعاتب نفسه، قال مجاهد: هى التى تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشر لم لم تعمله؟ وعلى الخير لم لم تستكثر منه؟ قال الفراء: ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهى تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قالت: هلا ازددت، وإن كانت عملت سوءا قالت: ليتنى لم أفعل «١».
وعلى ذلك «فلا أقسم» بمعنى أقسم وهذا ما ذكره أبو عبيدة وجماعة من المفسرين وقال السمرقندى: أجمع المفسرون أن معنى لا أقسم: أقسم واختلفوا فى تفسير لا، فقال بعضهم: هى زائدة وزيادتها جارية فى كلام العرب كما فى قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: ١٢]- يعنى أن تسجد- وقوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد: ٢٩].
وقال بعضهم: هى ردّ لكلامهم حيث أنكروا البعث كأنه قال: ليس الأمر كما ذكرتم أقسم بيوم القيامة، وهذا قول الفراء وكثير من النحويين وقيل: هى للنفى، لكن لا لنفى الإقسام بل لنفى ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه، كأن معنى لا أقسم بكذا: لا أعظمه بإقسامه به حق إعظامه، فإنه حقيق بأكثر من ذلك، وقيل: إنها لنفى الإقسام لوضوح الأمر. ويرى الشوكانى رحمه الله ترجيح القول الأول «١».
فالقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة وذكر الاثنين فى موضع واحد يحرك النفس الإنسانية؛ كى تعرف موقعها فى هذا اليوم وصلتها به وإعدادها له، وتجنب ما يعكر صفوها ونضارتها فى هذا اليوم.