والسورة الكريمة تبين للناس جرم ما وقع فيه الإنسان من إنكار البعث: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) ويرد عليه بتذكيره بقدرة الله سبحانه وأنه سبحانه قادر على تسوية البنان، ومعنى ذلك أن البعث يرجع إلى قدرة الله فى إعادة الأشياء إلى ما كانت عليه بدقتها وتميزها عن غيرها وقد نبه المفسرون على هذا المعنى الدقيق فقال الشوكانى: على أن نجمع بعضها إلى بعض فنردها كما كانت مع لطافتها وصغرها فكيف بكبار الأعضاء فنبه سبحانه بالبنان، وهى الأصابع على بقية الأعضاء، وأن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أولى فى القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق.
فهذا وجه تخصيصها بالذكر، وبهذا قال الزجاج وابن قتيبة «١»، وفى ختام السورة يستمر التدليل على البعث بالتذكير بقدرة الله سبحانه فى خلق الإنسان؟
ومع معالجة السورة الكريمة لقضية البعث بالتذكير بقدرة الله سبحانه وفى ختام السورة نجد هذا التذكير أيضا بالنظر إلى خلق الإنسان من نطفة ثم تحول النطفة إلى علقة وكيف سوى خلقه فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى. فهل ينكر الإنسان مظاهر هذه القدرة فى هذا الخلق؟ أليس من خلق هذا بقادر على أن يبعث الإنسان.
إن بداية السورة ونهايتها فى معالجة هذه القضية؛ لأنها أساس ما بين البداية والنهاية، وهى التى تؤثر فى السلوك الإنسانى، والنفس الإنسانية وهذا ما عولج فى القضايا المبثوثة فى السورة الكريمة، ومنها: ما أخبر عنه الله سبحانه من سوء حال الإنسان وإصراره على المعصية والفجور، وأنه لا يرعوى، ولا يخاف يوما يجمع الله فيه عظامه ويبعثه حيا، بل هو مريد للفجور ما عاش، فيفجر فى الحال ويريد الفجور فى غد وما بعده، وهذا ضد الذى يخاف الله والدار الآخرة، فهذا لا يندم على ما مضى منه ولا يقلع فى الحال ولا يعزم فى المستقبل على الترك، بل هو عازم على الاستمرار، وهذا ضد التائب المنيب.
ثم نبّه سبحانه على الحامل له على ذلك، وهو استبعاده ليوم القيامة وليس هذا استبعادا لزمنه مع إقراره بوقوعه، بل هو استبعاد لوقوعه كما حكى عنه فى موضع آخر