قوله: ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) [ق].
أى بعيد وقوعه، وليس المراد أنه واقع بعيد زمنه. هذا قول جماعة من المفسرين منهم ابن عباس وأصحابه قال ابن عباس: يقدّم الذنب ويؤخر التوبة وقال قتادة وعكرمة: قدما قدما فى معاصى الله لا ينزع عن فجوره «١».
وتنبه السورة المكذبين بالبعث وبيوم القيامة وما يحدث فيه فتذكر حال المكذب إذا شاهد اليوم الذى كذّب به فقال تعالى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) فبرق بصره أى يشخص لما يشاهده من العجائب التى كان يكذب بها وخسف القمر ذهب ضوؤه وانمحى، وجمع الشمس والقمر ولم يجتمعا قبل ذلك بل يجمعهما الذى يجمع عظام الإنسان بعد ما فرقها البلى ومزقها، ويجمع للإنسان يومئذ جميع عمله الذى قدمه وأخّره من خير أو شر، ويجمع ذلك من جمع القرآن فى صدر رسوله، ويجمع المؤمنين فى دار الكرامة، فيكرم وجوههم بالنظر إليه، ويجمع المكذبين فى دار الهوان، وهو قادر على ذلك كله كما جمع خلق الإنسان من نطفة من منىّ يمنى ثم جعله علقة مجتمعة الأجزاء بعد ما كانت نطفة متفرقة فى جميع بدن الإنسان، وكما يجمع بين الإنسان وملك الموت ويجمع بين الساق والساق، ساق الميت أو ساق من يجهز بدنه من البشر، ومن يجهز روحه من الملائكة، أو تجمع عليه شدائد الدنيا والآخرة فكيف أنكر هذا الإنسان أن يجمع بينه وبين عمله وجزائه، وأن يجمع مع بنى جنسه ليوم الجمع، وأن يجمع عليه بين أمر الله ونهيه، وعبوديته فلا يترك سدى مهملا معطلا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب فلا يجمع عليه ذلك. يقول ابن القيم: فما أجمع هذه السورة لمعانى الجمع والضم وقد افتتحت بالقسم بيوم القيامة الذى يجمع الله فيه بين الأولين والآخرين، وبالنفس اللوامة التى اجتمع فيها همومها وعمومها وإرادتها واعتقاداتها.
وتضمنت ذكر المبدأ والمعاد، والقيامة الصغرى والكبرى، وأحوال الناس فى المعاد، وانقسام وجوههم إلى ناظرة منعمة وباسرة معذبة وتضمنت وصف الروح بأنها جسم ينتقل من مكان إلى مكان فتجمع من تفاريق البدن حتى تبلغ التراق ويقول الحاضرون: مَنْ راقٍ (٢٧) [القيامة] أى من يرقى من هذه العلة التى أعيت

(١) التبيان فى أقسام القرآن لابن قيم الجوزية ص: ٩٤.


الصفحة التالية
Icon