وَحْيُهُ [طه: ١١٤] وقال عامر الشعبى: إنما كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من حبّه له، وحلاوته فى لسانه، فنهى عن ذلك حتى يجتمع؛ لأن بعضه مرتبط ببعض. وقيل:
كان عليه السّلام إذا نزل عليه الوحى حرّك لسانه مع الوحى مخافة أن ينساه، فنزلت: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ونزل: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) [الأعلى] ونزل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ قاله ابن عباس. وَقُرْآنَهُ أى وقراءته عليك. وقال قتادة: فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أى فاتبع شرائعه وأحكامه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ أى تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام قاله قتادة وقيل: ثم إن علينا بيان ما فيه من الوعد والوعيد وتحقيقهما «١».
وهذا يطمئن من عقل إلى مصدر الوحى، وأنه من عند الله، وأن وعد الله لرسوله صلّى الله عليه وسلم بحفظ كتابه يتضمن جمعه وقراءته وبيانه ورسول الله صلّى الله عليه وسلم مبلغ عن الله سبحانه، فلا ريب فى الكتاب ولا فيما تضمنه الكتاب العزيز.
ومما يتصل بيوم القيامة والنفس الإنسانية ما تذكره الآيات الكريمة كاشفة ميول النفس التى لم تركن إلى الحق، ولم تؤمن به فأحبت الدنيا وتعلقت بها وتركت الآخرة والعمل لها، وهذا من الأسباب القوية فى عناد الكافرين واستمساكهم بكفرهم ظنا منهم أن الإيمان وتبعاته ستذهب عنهم متعة الحياة الدنيا. قال تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وما علم هؤلاء أن الدنيا عاجلة ولن يطول مكثهم فيها وأن الآخرة خير وأبقى لمن آمن وعمل صالحا ونظير هذا قوله تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا (٢٧) [الإنسان].
ومما يتصل بيوم القيامة والنفس الإنسانية انقسام الناس إلى قسمين قسم له الوجوه الناضرة الممتعة بالنظر إلى وجه ربها الكريم، وقسم له وجوه كالحة كاسفة عابسة توقن بالهلاك قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥). فوجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة تنظر إلى ربها وكان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم تلا هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وكان الحسن يقول: نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم «٢». ووجوه الكفار كالحة كاسفة عابسة يوم القيامة.
ومما يتصل بيوم القيامة والنفس الإنسانية أنها ستساق سوقا إلى هذا اليوم ولا يجدى عندئذ أن يلوذ الإنسان برقية أو دواء يؤخر النفس إذا جاء أجلها: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ
(٢) المرجع السابق ١٩/ ١٠٧.