التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٢٩).
فكيف يكون حالها عند ما تأتى إلى هذا المصير وهى مكذبة معرضة: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) فلا صدق بالرسالة ولا بالقرآن ولا صلى لربه. قال قتادة: فلا صدق بكتاب الله ولا صلى لله، وقيل فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه «١» ولكن كذب بالرسول وبما جاء به وتولى عن الطاعة والإيمان. وهذا الإنسان الذى كذب وتولى لم يكتف بهذا العمل السيئ بل تفاخر به، وذهب إلى أهله يتبختر ويختال فى مشيته افتخارا بذلك. قال الواحدى: قال المفسرون: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيد أبى جهل، ثم قال: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) فقال أبو جهل: بأى شىء تهددنى لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بى شيئا، وإنى لأعز أهل هذا الوادى، فنزلت هذه الآية «٢».
وأخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال: لما نزلت: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) [المدثر] قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم يخبركم ابن أبى كبشة أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم، فأوحى الله إلى رسوله أن يأتى أبا جهل، فيقول له: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى
لَكَ فَأَوْلى
(٣٥) «٣».
ومعناه: الويل لك، وقيل: ومعنى التكرير لهذا اللفظ أربع مرات: الويل لك حيا والويل لك ميتا، والويل لك يوم البعث، والويل لك يوم تدخل النار. وقيل المعنى: إن الذم لك أولى لك من تركه، وقيل: المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب قاله ثعلب، وقال الأصمعى: أولى فى كلام العرب معناه مقاربة الهلاك «٤».
ومما يتصل بيوم القيامة والنفس الإنسانية أن يدرك الإنسان أنه مع خلقه قد أرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم بوحى الله له يأمره وينهاه وأنه سيحاسب أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) [القيامة: ٣٦] أى هملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يحاسب ولا يعاقب.
إن تأمل الإنسان فى خلقته من نطفة، وما مرّ به من أطوار يجعله مدركا لفضل الله
(٢) المرجع السابق ٥/ ٣٤٢.
(٣) لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطى ص ٢٥٥.
(٤) فتح القدير ٥/ ٣٤١، ٣٤٢.