ما أرسلوا به، وقيل المراد بالمرسلات: السحاب لما فيها من نعمة ونقمة «١».
وعلى قول جمهور المفسرين فإن المرسلات عرفا هى الرياح المتتابعة ليذكر بعد ذلك التفصيل فى كونها قد تأتى عاصفات وهى الرياح الشديدة الهبوب وفيها إهلاك، وقد تكون ناشرات وهى رياح تأتى بالمطر وتنشر السحاب نشرا، وتأتى كذلك فارقات على ما قال مجاهد: هى الريح تفرق بين السحاب فتبدده «٢». وقيل: يعنى الملائكة تأتى بما يفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام ثم الملقيات ذكرا وهى الملائكة تلقى الوحى» إلى الأنبياء للإعذار والإنذار أى إعذارا من الله سبحانه إلى خلقه وإنذارا من عذابه وقيل: عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين.
فالقسم بهذه المخلوقات جميعا يثير انتباه المخاطبين إلى ما يشاهدونه ويجدونه من آثار هذه الآيات مع الجمع بين ما هو حسى منها وبين ما هو معنى وشاهدة على قدرة مسيّرها سبحانه وتعالى وأنه يحقق وعده فيكون جواب القسم: إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧). أى إن الذى توعدونه من مجىء الساعة والبعث كائن لا محالة.
ثانيا: يأتى بيان متى يقع ما وعد الله به من البعث والساعة فى عرض مظاهر القدرة التى تظهر آيات هى أشد من خلق الإنسان وبعثه فالذى قدر عليها فهل يعجزه أن يبعث الإنسان بعد موته وأن يحاسبه ويثيبه ويعاقبه. قال تعالى: فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) فالنجوم التى يرونها فى نورها وضخامتها سيمحى نورها ويذهب ضوؤها وهى أشد خلقا والسماء كذلك إذا فتحت وشقت، والجبال- أيضا- مع ضخامتها وثقلها تقلع من مكانها بسرعة فالنسف الأخذ بسرعة، وقد جعل للرسل وقت للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم، كما قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [المائدة: ١٠٩]. فيوم الدين جعل لها وقتا وأىّ يوم هذا؟ إنه يوم عظيم يعجب العباد منه لشدته ومزيد أهواله، إنه يوم الفصل يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة والنار والويل فى هذا اليوم لمن كذب ولم ينتفع بالتفكير فى هذه الآيات البينات.
ثالثا: إذا كانت الآيات المذكورة ستقع فى مستقبل الأيام فإن السورة الكريمة تحيط

(١) فتح القدير ٥/ ٣٥٥، ٣٥٦.
(٢) المرجع السابق ٥/ ٣٥٦.


الصفحة التالية
Icon