فى بيانها بالإنسان حتى لا تدع له فرصة تفيده فى العبرة واليقظة والانتباه فتبصّره السورة بالعبرة التاريخية فى قوله تعالى: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩).
فأخبرهم الله تعالى عن إهلاك الكفار من الأمم الماضية من لدن آدم إلى خاتم المرسلين محمد صلّى الله عليه وسلم ثم اتباع الآخرين بالأولين. فى ذلك. وأن هذه سنة مع المجرمين فما فعلنا بمن تقدّم نفعل بالمكذبين المشركين فليكن الحذر.
رابعا: ومع التوجيه الفكرى نحو المستقبل الزمنى ونحو العبرة التاريخية ونحو الآيات المشاهدة يأتى التوجيه إلى الآيات الذاتية أى التى تتعلق بذات الإنسان وخلقه والتى تتكرر فى الأبناء كل يوم قال تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤).
ومع ما قدمته السورة الكريمة من وجوه التذكير والوعيد التى تعين الإنسان للخروج من دائرة الويل والهلاك والتذكير بما يحدث للإنسان نفسه من الخلق من نطفة من ماء مهين، فجعله الله فى مكان حريز، وهو الرحمن إلى مدة الحمل التى تنطق بآيات القدرة فى رعاية هذا الجنين إلى أن يصير خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ويل لمن كذّب بعد رؤية هذه الآيات البينات.
وإذا عجز الإنسان عن التفكير فى نفسه وخلقه، فإن السورة الكريمة تعرض أمامنا أمرا آخر فى شأن هذا الوعيد.
خامسا: نجد بعد هذا البيان للآيات فى خلق الإنسان التوجيه إلى التفكير فى الأرض إلى نسير عليها، قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا
فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨).
فهذه الأرض ألم ير الإنسان كيف تضم وتجمع الأحياء على ظهرها، والأموات فى باطنها، وكيف جعل الله الجبال الطوال والرواسى الثوابت، وكيف يسقى الإنسان الماء عذبا فراتا برحمة الله أليس كل هذا أعجب من البعث، فويل لمن كذب ولم يفد من هذه الآيات البينات.
سادسا: ويأتى التخويف بعد هذه الآيات المشاهدة بقرع الآذان بمفاجأة الواقع الذى سيقبلون عليه، ولكنهم كذبوا به فكيف يكون حالهم ولا يستطيعون له دفعا وكيف يتبدد