لنعمة المال فالمال الذى يوجه إلى المعاصى والشهوات أهلك وأهلك صاحبه، وتقرّر السورة الكريمة هذا الإنسان بنعم الله القريبة منه، من العينين واللسان والشفتين ومن الدلالة على طريقى الخير والشر. فهلّا أقر هذا الإنسان بهذه النعم الظاهرة فأنفق ماله الذى يزعم أنه أنفقه فى عداوة محمد، هلا أنفقه لاقتحام العقبة فيأمن، وذلك بعتق الرقاب وتخليصها من الأسر أو من الرق، وفى حديث البراء «وفك الرقبة أن تعين فى ثمنها» «١».
وفى هذا فتح كبير يقدمه الإسلام للإنسان فى تخليصه من الأسر ومن الرق وهذا الفتح يأتى مبكرا فى الفترة المكية من نزول القرآن الكريم.
وكذلك يوجه المال إلى الإطعام وخاصة عند الحاجة فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) وكذلك يوجه المال فى هذا المجال إلى صاحب الحاجة القريب فإذا عنى كلّ بقريبه كفى المجتمع كله: يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦).
فاقتحام العقبة فى الدنيا والآخرة يكمن فى هذا السلوك المستقيم الذى يؤدى إلى التراحم بين الناس، والعناية بضعافهم ممن يقع فى الأسر أو الرق أو يقع فى الجوع أو اليتم أو شدة الفقر. وهذا السلوك لا بدّ أن يكون منطلقا من أساس الإيمان الذى تقبل به الأعمال، ولكى يستمر هذا لا بدّ من التواصى بالصبر والتواصى بالمرحمة.
وهذا مسلك أصحاب الميمنة. أما من وقع فى الكفر بآيات ربه فلن يسلك هذا السلوك أولئك أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة.
لقد نبهت سورة البلد الناس إلى نعم الله عليهم فى المكان، وفى حلول النبى صلّى الله عليه وسلم فيه وإلى وجود فريقى الخير والشر وبيان سلوك أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة.
وكيف تكون النجاة من العقبة.

(١) القرطبى ٢٠/ ٦٨.


الصفحة التالية
Icon