الضالة وتهديدهم ووعيدهم حتى يتمكن من تدبر حاله وخشى العاقبة من تدارك أمره والإذعان لما جاء فى القرآن ذى الذكر، فمن هذه الأسباب: الكبر والاستعلاء فى الأرض بغير الحق والذى يحول بين الإنسان وبين الاستجابة للحق والانقياد له. فالذين كفروا فى عزة وشقاق.
ومن هذه الأسباب: فساد تصور الكافرين عن الألوهية، وركونهم إلى تعدد الآلهة فكان تعجبهم من عقيدة التوحيد التى جاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان قولهم الذى ذكرته السورة الكريمة: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥).
ومن هذه الأسباب: فساد تصور الكافرين للنبوة فكان عجبهم أن يأتيهم منذر منهم، وكان قولهم الذى ذكرته هذه السورة الكريمة: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا.
فقد ربطوا النبوة فى أذهانهم بالمقاييس الجاهلية التى تقدر الإنسان بما لديه من مال وبما ينتمى إليه من عصبية، فالنبى فى نظرهم لا يخرج عن هذه المقاييس، وهذا جاء على لسان الوليد بن المغيرة حيث قال: أينزل على محمد وأترك؟ وأنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفى سيد ثقيف ونحن عظيما القريتين «١». كما أنهم لم يتصوروا أن يكون الرسول رجلا بل ينبغى أن يكون ملكا. وهذا المعنى قد حكاه القرآن الكريم بعد ذلك فوجدناه فى مثل قوله تعالى: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) [الأنعام] وفى قوله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (٩٥) [الإسراء].
وفى بيان أسباب إعراض الكافرين وعنادهم نذكر من هذه الأسباب ما يقوم به السادة والكبراء من إضلال العامة وتوصيتهم بالاستمساك والصبر على باطلهم: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦). واعتبار السادة أن هذا شىء يراد يشعر بسبب له تأثيره فى الاستمساك بالكفر وهو نظرهم إلى النبى
صلّى الله عليه وسلم على أنه يريد العلو عليهم وليصيروا أتباعا له، وهذا المعنى جاء على ألسنة كثير منهم من هذا ما قاله أبو سفيان فى فتح مكة عند ما وقف بمضيق الوادى لتمرّ به جنود الله، ومعه العباس عم النبى صلّى الله عليه وسلم وبعد أن رأى جند الله قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، ثم

(١) الإسلام فى مواجهة التحديات د. محمد رأفت سعيد ص ١٢٠.


الصفحة التالية
Icon