وتقديم النموذجين الكريمين للناس فى هذه الفترة المكية تهيئة صالحة لما سيقبلون عليه من استقرار الدولة المسلمة التى يقضى فيها بين الناس بالحق، وبيان كذلك للناس أن من عباد الله من أوتى الملك الذى لم يصل إليه واحد ممن يمنعه ماله وجاهه من الإذعان والامتثال لأمر الله ورسوله، والإنسان يبتلى بألوان من البلاء بالشر والخير، ولكن عاقبة المؤمنين دائما أن يتذكروا، وأن ينيبوا إلى ربهم، وأن يستغفروا ليجدوا مغفرة الله وإكرامه لهم.
ثم تقدم السورة الكريمة نموذجا آخر من صفوة الناس يبتلى، وكيف يكون حاله فى الابتلاء وكيف تكون عاقبته، قال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) فأيوب عليه السّلام يبتلى بهذا الابتلاء الشديد فى بدنه، ويلجأ إلى الله ويدعوه رغبا ورهبا، فيكشف الله ما به من ضر ويؤتيه أهله ومثلهم معهم. وتقص الآيات تفصيلات حدثت مع هذا الابتلاء فى كيفية الضرب بالرجل على الأرض ليغتسل وليشرب فيبرأ بإذن الله، وكيف يضرب بالضغث ولا يحنث. وفى هذا تأكيد على صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم أحد بهذه التفاصيل إلا الله الذى أنزل الكتاب وما عند أهل الكتاب يكتمونه، وليسوا معه فى مكة المكرمة مع ما حرفوه وبدّلوه وشوّهوا أحداث هؤلاء الصفوة.
وتستمر السورة الكريمة فى تقديم هذه النماذج المشرقة، ليقتدى بها فإن مواقفهم قابلة للتكرار، والتحلى بما كانوا عليه من صفات يحقق ما وصلوا إليه من نتائج، وما منحهم الله من عطايا.
يقول الله تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨).
وفى الوقت الذى يضع التنزيل المبارك أمام الناس هذه النماذج الكاملة يبشر من اقتدى بهم، واتصف بصفاتهم، ويذكر ما أعد الله لهم من نعيم معنوى وحسى من تفتيح الأبواب والاتكاء والفاكهة الكثيرة والشراب الطهور والحور العين، قال تعالى: