والقمر والنجوم وما جعل فيها من آيات ومنافع، وما جعل فيها من إحكام ونظام وإتقان يدل على حكمته وقدرته ورحمته بخلقه. فله سبحانه الخلق وهذا يتضمن أحكامه الكونية، وله الأمر وهذا يتضمن أحكامه الشرعية، وله أحكام الجزاء والتى ذكرت من قبل الله رب العالمين، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ
(٥٤).
وفى السورة توجيه إلى المعرفة الصحيحة بالرب المعبود سبحانه ولمّا ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوى الألباب على أنه وحده المعبود المقصود فى الحوائج كلها أمر بما يترتب على ذلك من دعائه وحده، والاستجابة لأمره ونهيه وعدم الإفساد فى الأرض بالمعاصى بعد إصلاحها بالطاعات، ودعائه سبحانه خوفا وطمعا فهو الذى يحقق الرجاء ويدفع الضر، وهو الذى يرسل الرياح المبشرات بالغيث الذى ترتاح له القلوب، وهو الذى سخر هذه الرياح لتلقّح السحب ولتسوقها إلى أرض لا غنى لها عن الماء لتحيا ويخرج الله به من كل الثمرات. والذى أحيا الأرض بعد موتها هو الذى سيحيى الإنسان بعد موته.
وإذا كانت الأمّة كالأفراد صلاحا وفسادا، فإن القرى التى تضم الأفراد والجماعات كذلك قد تكون بلدا طيبا يخرج نباته بإذن ربه، فليست الأسباب وحدها هى التى تخرج، وإنما تخرج بإذن ربها فينعم أهل البلد الطيب بثمراته، وأما الذى خبث من الأرض فلا يخرج إلا نباتا لا نفع فيه ولا بركة، كذلك حال القلوب وأصحابها مع وحى الله وآياته منهم: من يكون كالأرض الطيبة التى تستقبل الماء فتنتفع به وتخرج بإذن ربها للناس من كل زوج بهيج، ومنها: الأرض التى لا تنتفع بالماء ولا تخرج زرعا. قال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨).
وبعد هذا العرض الجامع للقضايا الأساسية فى حياة الدعوة ونقل الناس من