إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨).
تأتى بعد ذلك الآيات الكريمة لتنبه الناس إلى حقيقة الخلق وما ينبغى أن يكون الإنسان عليه مع تذكّره، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) فالخالق هو الله سبحانه وتعالى فله الخلق وحده. والناس جميعا خلقهم الله من نفس واحدة، ومنّ الله على الإنسان بنعمة السكن النفسى فجعل من آدم عليه السّلام زوجة ليسكن إليها فهذه بداية البشرية. فالكل يعود إلى أصل واحد «كلكم لآدم» وزوجته منه، وليست من شىء آخر منفصل عنه. فلا تمايز- إذن- بين الناس من ناحية الخلق يجعلهم فى تحاسد وتباغض وكبر وأمراض تدفع بهم إلى الصدود عن الهدى، وعدم الاستجابة للداعى إلى الحق والرشاد. والخالق سبحانه الذى أنعم على الإنسان بنعمة الخلق والسكن والذرية من حقه على خلقه أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، ولكنّ البشرية قد نكبت بوقوع الشرك فيها من الشرك فى التسمية، كأن يسمّى الإنسان بعبد الحارث وعبد العزى وهكذا، أو ما حدث من بعض البشر من الشرك فى العبادة. وقد نبّه المفسرون إلى الانتقال من النوع إلى الجنس، فإن أوّل الكلام فى آدم وحواء ثم انتقل الكلام فى الجنس أى ما حدث من الذرية.
وتقدم الآيات الكريمة ما يعين الإنسان على التخلى عن عبادة غير الله سبحانه والتطهر من الشرك. فإن هؤلاء الشركاء لا يخلقون شيئا بل هم مخلوقون ولا