كما تستمر الآيات الكريمة فى بيان تصورات الكافرين الفاسدة فى أن الرسالة تكون عن طريق الملائكة، أو تشهد الملائكة للرسول بالرسالة، أو أن يكلمهم الله سبحانه ويقول: هذا رسولى فاتبعوه، وهذا منطق الكبر والعتوّ، ويوم يرى هؤلاء المجرمون الملائكة فلن تكون الرؤية البشرى لكفرهم وعنادهم كما أن أعمالهم التى بنيت على الكفر لن ننفعهم شيئا فى الآخرة. فى الوقت الذى ينعم فيه المؤمنون الصالحون بالجنة، قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ
اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً
(٢٦).
ومن المعانى التى تضمنتها سورة الفرقان على ترتيب نزولها ما جاء فى قوله تعالى:
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) بعد ذلك تذكر الآيات نوعا من الكافرين الظالمين الذين يشتد ندمهم وتشتدّ حسرتهم لأنهم كفروا بعد إيمانهم وكان كفرهم بسبب سماعهم لخليل السوء الذى يحرّض خليله على الضلال وفى هذا تنبيه للناس إلى عداوة شياطين الإنس وشياطين الجن الذين يحرصون على إضلال من آمن واهتدى، قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (٢٩) أخرج ابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل بسند قال السيوطى: صحيح من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس: أن أبا معيط كان يجلس مع النبى صلّى الله عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبى معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته:
ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشدّ ما كان أمرا، فقال: ما فعل خليلى أبو معيط؟ فقالت: صبأ، فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحيّاه فلم يردّ عليه التحية، فقال: مالك لا تردّ علىّ تحيتى؟ فقال: كيف أردّ عليك تحيتك وقد صبوت؟
قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: نعم، قال: مما يبرئ صدورهم إن أنا فعلته؟ قال:
تأتيه فى مجلسه فتبزق فى وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل فلم يرد رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال: «إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا»، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن


الصفحة التالية
Icon