يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا، قال: وعدنى هذا الرجل إن وجدنى خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقى صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه. فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين وحمل به جمله فى جدود من الأرض، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسيرا فى سبعين من قريش، وقدّم إليه أبو معيط، فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: «نعم بما بزقت فى وجهى»، وفى رواية قال:
«نعم بكفرك وعتوّك» «١» فأنزل الله فى أبى معيط وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ إلى قوله تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (٢٩) «٢» وأخرج أبو نعيم هذه القصة من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس، وذكر أن خليل أبى معيط هو أبىّ بن خلف.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضا فى قوله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ قال: أبىّ بن خلف وعقبة بن أبى معيط، وهما الخيلان فى جهنم «٣».
ومع إعراض الكافرين عن وحى ربهم ونكوصهم، ومع حرص الرسول على هداية الناس أجمعين يأتى ذكر القرآن الكريم لحال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يشكو إلى الله إعراض هؤلاء. ويسلّيه القرآن الكريم بما حدث لكل نبى من وجود هذا الفريق الذى أجرم ولم يهتد، قال تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١).
ومع الإعراض من الكافرين يكون التصور الفاسد للأشياء وما يتعلق بالوحى والنبوة ومن هذا نظرهم إلى نزول القرآن الكريم مفرّقا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعدوّا ذلك نوعا من التعذيب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وغاب عنهم ما يكون من الحكم المصاحبة لنزول القرآن الكريم مفرقا فمنها: ما يتصل برسول الله صلّى الله عليه وسلم لتثبيت فؤاده وتقويته فى مواجهة التحديات الشديدة والمستمرة، ومنها: ما يتصل بالناس وتلقيهم للقرآن الكريم ليحسنوا سماعه وفهم معانيه وحفظه والعمل به، ومنها: ما يتصل بالمنهج الذى يتم به نقل هؤلاء الناس من الضلال إلى الهدى ومن الظلمات إلى النور بصورة مناسبة تجعلهم خير أمة أخرجت للناس.
وكان إعراض هؤلاء الكافرين وفساد تصورهم حاجبا لهم عن رؤية هذه الحكم وغيرها، وإعراضهم هذا وكفرهم يصل بهم إلى جهنم. أخرج ابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء فى المختارة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال

(١) القرطبى ١٣/ ٢٥.
(٢) فتح القدير للشوكانى ٤/ ٧٤.
(٣) المرجع السابق ٤/ ٧٥.


الصفحة التالية
Icon