المشركون: لو كان محمد كما يزعم نبيا فلم يعذّبه ربّه؟ ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة، ينزل عليه الآية والآيتين والسورة والسورتين، فأنزل الله على نبيه جواب ما قالوا: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٣٤).
ومع سوء فهم الكافرين لحكمة نزول القرآن الكريم مفرقا وإعراضهم الذى وصل بهم إلى جهنم. تذكر الآيات الكريمة بعد ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ما حدث مع أنبياء الله ورسله من أقوامهم وكيف كان إعراضهم وعاقبة هذا الإعراض، وكيف أن هؤلاء الكافرين يرون آثار ما وقع بهؤلاء الكافرين السابقين، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠).
وتذكر الآيات الكريمة المنزلة بعد ذلك أسلوبا وصورة من صور التحدى التى يراد بها التأثير على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين وهو أسلوب السخرية والاستهزاء. فكان أبو جهل يقول للنبى صلّى الله عليه وسلم مستهزئا: «أهذا الذى بعث الله رسولا» فنزل فيه قوله تعالى:
وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (٤١).
كما تذكر الآيات ما كان من شأن الكافرين فى قلب الحقائق حيث يصفون من يهدى إلى التوحيد وإلى الصراط المستقيم بأنه يضلهم عن آلهتهم، ولكنهم صبروا واستمسكوا بآلهتهم، ويكشف القرآن ضلالهم فى أنهم يتبعون أهواءهم فى عبادتهم لهذه الآلهة المزعومة، ومن هنا يكون العجب من إضمارهم الشرك، وإصرارهم عليه مع إقرارهم بأنه سبحانه خالقهم ورازقهم، ثم يقصدون حجرا يعبدونه من غير حجّة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الرجل يعبد الحجر الأبيض زمانا من الدهر فى الجاهلية، فإذا وجد حجرا أحسن منه رمى به وعبد الآخر «١». قال تعالى: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣).