قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١).
إن تقديم هذه الصور للأمم السابقة مع رسلهم وبيان حالة كل أمة، وكيف كانت عاقبتها تعليم وتوجيه وتربية لهذه الأمة الخاتمة، ففرعون صورة للطغيان والاستبداد والفساد فى الأرض وقوم فرعون يمثلون الضلال واتخاذ الأنداد ووجهوا بالحجة، وقوم نوح يمثلون نظرة السخرية والتنكير على المؤمنين، وعاد يمثلون العلوّ والكبر والتعلق بالدنيا، وكذلك ثمود بإسرافهم وفسادهم وقوم لوط بفاحشتهم وشذوذهم، وأصحاب الأيكة بفسادهم الاقتصادى. فهذا الفساد المتعدد يتكرر على مرّ الأيام والناس فى حاجة إلى معرفة النتائج لهذه الأعمال الفاسدة، وقد نبأنا الله من أخبار هؤلاء فى كتابه الكريم، فمع إمكانية الانتفاع بهذه المواقف بالتدبر والتأمل، واستخلاص العبر تأتى الأوامر المباشرة ليحمل الناس على صلاحهم حملا. تتناول الآيات الكريمة بعد هذا الحديث عن القرآن الكريم وبيان مسيرته الآمنة حيث نزل به الروح الأمين لينزل على أطهر مكان وأحكمه على قلب النبى صلّى الله عليه وسلم. وليس للشياطين عليه من سبيل فلا يستطيعون سرقة شىء منه. وهو فى وضوح تام؛ لأنه بلسان عربى مبين، وقد تضمّن كل أسباب الهداية، فهو يهدى للتى هى أقوم فى كل شىء ففيه الدعوة إلى التوحيد والعبودية الخالصة لله وحده، وفيه خفض الجناح للمؤمنين، وفيه التحذير من المعصية والمخالفة، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦).
وأما الآية التى قال مقاتل إنها مدنية فهى قوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧). فإن مجاهدا يقول: يعنى عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما
ممّن أسلم، وقال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد- عليه الصلاة والسلام- فقالوا: إن هذا لزمانه، وإنا لنجد فى التوراة نعته وصفته. يقول القرطبى: فيرجع لفظ العلماء إلى كل من كان له علم بكتبهم أسلم أو لم يسلم على هذا القول، وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين؛ لأنهم كانوا يرجعون فى أشياء من أمور الدين إلى أهل الكتاب؛ لأنهم مظنون بهم علم «١».
وتحذّر الآيات الكريمة من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم السابقة من التكذيب بالحق