واستعجال العذاب، فإن قلوب المجرمين لا تذعن إلا إذا تطهرت، وفى حالة إجرامها فلن تؤمن بالقرآن الكريم وإعجازه ولو أنزله الله على أعجمى، ولن يؤمنوا به حتى ينزل عليهم العذاب. ولو كان تكذيبهم لانغماسهم فى الشهوات فهل المتعة بالشهوات تغنى إذا وقع العذاب؟. قال تعالى: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤)، قال مقاتل: قال المشركون للنبى صلّى الله عليه وسلم: يا محمد إلى متى تعدنا بالعذاب ولا تأتى به؟ فنزلت: أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤)، ثم ينزل هذا التساؤل الذى يجعل متع الدنيا لا قيمة لها مع وقوع العذاب فيقول تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧).
وتبين الآيات بعد ذلك سنة الله مع خلقه فى أنه سبحانه ما أهلك قرية من القرى إلا بعد الإنذار إليهم والإعذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب ليذّكر هؤلاء قال تعالى:
وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩).
وتنبّه الآيات الكريمة بعد ذلك إلى أمور جديرة بالعناية حتى يتخلص الناس من الأوهام والظنون التى شغلوا أنفسهم بها نحو وحى الله سبحانه لرسوله صلّى الله عليه وسلم، فبعد الاطمئنان السابق على تنزيل القرآن الكريم من رب العالمين على قلب رسوله صلّى الله عليه وسلم عن طريق الروح الأمين عليه السّلام يأتى النفى والرد لما زعمه الكفرة فى القرآن الكريم أنّه من قبيل ما يلقيه الشياطين على الكهنة. فهذا الزعم مردود لأن الله حفظ كتابه، قال تعالى: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢). ولو أن هؤلاء آمنوا وفتحوا قلوبهم للتوحيد لتطهّرت قلوبهم من هذه الأوهام ولذلك يأتى الخطاب إلى النبى صلّى الله عليه وسلم بالتوحيد مع كونه منزّها عنه معصوما منه لحثّ العباد على التوحيد ونهيهم عن شوائب الشرك وكأنه قال: أنت أكرم الخلق علىّ وأعزّهم عندى، ولو اتخذت معى إلها لعذبتك، فكيف بغيرك من العباد «١».
قال تعالى: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وإذا كان هذا تنبيها إلى إقامة الناس على التوحيد، فإن الأمر الذى يلى هذا أن ينذر الرسول صلّى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين، وإذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلم سينذر عشيرته الأقربين فليس معنى ذلك أن دعوته لهم وحدهم كما تصوّر بعض الناس، بل إن ذلك من التدرج الصحيح فى الدعوة والتى تبدأ بالداعى ثم الذى يليه فقد ذكر قبلها مباشرة: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ