الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤). وإذا كان رسول الله يبعث بلسان قومه فرسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم بعث كذلك بلسان قومه، وأنزل عليه القرآن الكريم بلسان عربى مبين ليفهم عنه من ستبدأ الدعوة بهم، ثم يقوم هؤلاء بمهمتهم فى دعوة غيرهم، وهكذا تتسع الدائرة من العشيرة الأقربين إلى أمّ القرى ثم من حولها لتشمل العالمين.
روى مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال: «يا بنى كعب ابن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى مرّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذى نفسك من النار فإنى لا أملك لكم من الله شيئا غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها». أى أصلكم فى الدنيا ولا أغنى عنكم من الله شيئا «١».
ولو فهم الناس أن هذه الدعوة خاصة بعشيرته فحسب لاستجاب له الأقربون بدافع العصبية ولكنّ الأقربين أنفسهم أدركوا أن الدعوة لهم ولغيرهم أى ليست من قبيل الدعوات العنصرية وإنما تنظر إلى الناس جميعا نظرة المساواة وتعمّ بخيرها العالمين.
ولذلك رأينا من الأقربين المستجيب والمعرض، قال تعالى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠).
ولإزالة الوهم ودفعه تنبه الآيات الكريمة بعد ذلك إلى تنزّه القرآن الكريم عن المشابهة لكلام البشر فيما عرفه الناس من كلام الكهان وشعر الشعراء، وصلة الشياطين
بهذين النوعين من الناس، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس بكاهن وليس بشاعر، وما أنزل إليه ليس من قبيل سجع الكهان وشعر الشعراء، قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧).
ولما كان الشعر يمثل جانبا كبيرا وخطيرا من أساليب العرب فى القول وجدنا هذا التفصيل المذكور فى الآيات الكريمة بعد نفى المشابهة بين القرآن الكريم والشعر من جهة وبين الرسول صلّى الله عليه وسلم والشعراء والكهان من جهة أخرى. وهذا يرجع إلى مكانة الشعر فى