فإنه يجاب عن هذا بأن هذا الأمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر لأمته، ولا يعنى الأمر بذكر اسم الله عند القراءة، وعند طلب العلم، وعند القيام بالعمل أن الرسول لا يذكر الله فى كل أحيانه، بل هذا تدعيم لما كان عليه من الذكر الدائم، وأمر لأمته بأن يكونوا على ذلك.
والقول الثانى: فى تفسير ذلك أن المراد من قوله: «اقرأ» أى اقرأ القرآن إذ القراءة لا تستعمل إلا فيه، قال تعالى: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) [القيامة] وقال وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) [الإسراء] وقوله بِاسْمِ رَبِّكَ تحتمل وجوها أحدها: أن يكون التقدير: اقرأ القرآن مفتتحا باسم ربك أى قل:
باسم الله ثم «اقرأ» وفى هذا دلالة علي أنه يجب قراءة التسمية فى ابتداء كل سورة كما أنزل الله تعالى وأمر به، وفى هذه الآية رد على من لا يرى ذلك واجبا ولا يبتدئ بها.
وثانيها: أن يكون المعنى: اقرأ القرآن مستعينا باسم ربك، وتحقيق ذلك أنه لما قال له: «اقرأ» فقال له: «لست بقارئ»، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، أى استعن باسم ربك واتخذه معينا فى تحصيل ما تيسر عليك، وثالثها: أن قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ أى اجعل هذا الفعل لله وافعله لأجله كما تقول: بنيت هذه الدار باسم فلان ولأجله فإن العبادة إذا صارت لله تعالى فكيف يجترئ الشيطان أن يتصرف فيما هو لله تعالى، فإن قيل: كيف يستقيم هذا التأويل فى قولك، قبل الأكل: باسم الله، وكذا قبل كل فعل مباح؟ ويجيب الرازى عن هذا بوجهين:
أحدهما: إن الإضافة هنا للفعل إلى العظيم- جل جلاله- ليقطع الشيطان طمعه عن مشاركتك، فقد روى أن: من لم يذكر اسم الله شاركه الشيطان فى ذلك.
والثانى: أنه ربما استعان بذلك المباح على التقوى، وعلى طاعة الله فيصير المباح طاعة، فيصح ذلك التأويل فيه.
إذا كانت الآيات الكريمة الأولى في التنزيل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ تقرر مبدأ القراءة أولا، ومبدأ أن تكون هى والعمل جميعا باسم الله استعانة وطلبا لمرضاته، يبقى أن نتأمل ذكر كلمة «الرب» - سبحانه- فى قوله تعالى: بِاسْمِ رَبِّكَ، وذلك مناسب غاية المناسبة لموقفين:
أحدهما: مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم والآخر مع الناس؛ أما مع النبى صلّى الله عليه وسلم فإن الرسول الكريم بلقائه مع جبريل فى صورته الملكية والتى خلق عليها فزع وخشى على نفسه،