وذكر كلمة الرب مع هذا تزيل ما فى نفسه من خشية أو فزع، وكأنما يقال للرسول الكريم: هو الذى رباك فكيف يفزعك؟ ومعنى آخر فيه تذكر للنبى صلّى الله عليه وسلم بما منّ الله به عليه من تربية: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (٨) [الضحى]، فالتذكير بهذه النعم التى منحها الرب سبحانه تطمين للنبى صلّى الله عليه وسلم، وفى الوقت نفسه تحفيز لهم للقيام بواجب الشكر عليها، وقضاء هذا الدين بلا تكاسل.
والأمر الثانى: أن الشروع ملزم للإتمام، وقد ربى الله رسوله منذ البداية فكيف يضيعه، أى منذ أن كان علقة لم يدعه، فكيف بعد أن صار خلقا نفسيا موحدا عارفا بالله كيف يضيعه؟
وأما ما يتعلق بالناس فكذلك تذكير لهم بما صنع من آيات يقرون بها تدعو إلى الإيمان بالرب الخالق الرازق المنعم سبحانه، وتؤهلهم بهذا الإيمان إلى الاستجابة لما يوحى به إليهم من أمر أو نهى فناسب ذلك أن يقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ولذلك جاء عقبها الَّذِي خَلَقَ (١) [العلق]، فكأن العبد يقول: ما الدليل على أنك ربى؟ فيقول له: لأنك كنت بذاتك وصفاتك معدوما ثم صرت موجودا، فلا بد لك فى ذاتك وصفاتك من خالق، وهذا الخلق والإيجاد تربية يدل ذلك على أنى ربك، وأنت مربوبى، وفى هذا تقرير لمبدأ ثالث وهو الخلق لله وحده: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: ٥٤] فله الخلق الذى يلفت نظرنا إليه بصورة مطلقة تشمل كل مخلوق.
«فالذى خلق» الأولى تكون بمعنى أنه الذى جعل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه، إنه خلق كل شىء.
وخَلَقَ الثانية تخصيص للإنسان بالذكر من بين جملة المخلوقات، وذلك إما لأن التنزيل إليه، أو لأنه أشرف ما على وجه الأرض باختصاص الله له بوحيه وشرعه وتكريمه، وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (٧٠) [الإسراء] ففي ذلك التخصيص تعميم لخلق
الإنسان ودلالة على عجيب قدرته؛ ولذلك احتج جماعة من العلماء بهذه الآية على أنه لا خالق غير الله تعالى، قالوا: لأنه سبحانه جعل الخالقية صفة مميزة لذات الله تعالى عن سائر الذوات، وكل صفة هذا شأنها؛ فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها.
فالربوبية إشارة إلى الخالقية. وهذه المعانى التى نقف عليها فى هذا التنزيل تضع


الصفحة التالية
Icon