وثانيها: إنك كريم لكن ربك أكرم، وكيف لا وكل كريم ينال بكرمه نفعا ويدفع ضررا، أما الله سبحانه فالأكرم إذ لا يفعله إلا لمحض الكرم.
ثالثها: أنه الأكرم؛ لأن له الابتداء فى كل كرم وإحسان، وكرمه غير مشوب بالتقصير.
رابعها: يحتمل أن يكون هذا حثا على القراءة، أى هذا الأكرم؛ لأنه يجازيك بكل حرف عشرا، وحثا على الإخلاص أى اقرأ لأجلى، ودع علىّ أمرك فأنا أكرم من أن لا أعطيك ما لا يخطر ببالك، ويحتمل أن المعنى تجرد لدعوة الخلق ولا تخف أحدا فأنا أكرم من أن آمرك بهذا التكليف الشاق ثم لا أنصرك.
ومع وصف الله سبحانه لنفسه جل شأنه بأنه خلق الإنسان من علق، وأنه علّم بالقلم فما المناسبة بين الأمرين؟
إن الآيات الكريمة تبين مزيد كرم الله الأكرم سبحانه حيث تفضل على الإنسان بخلقه أولا، وتفضل عليه ثانيا بنقله من حالة مهينة إلى تشريفه بالعلم وإدراك حقائق الأشياء، وصيره إلى أشرف مراتب المخلوقات ويذكر ذلك فى هذا السياق القرآنى الكريم وفى بداية نزول الوحى ليرتبط بقضية التوحيد الكبرى فى حياة الإنسان، فهذا التحويل من أحسن المراتب إلى أشرفها يلفت نظر الإنسان إلى وجود المدبر والمقدر فيذعن لأمره ونهيه، كما أن فى هذا تنبيها على أن العلم أشرف الصفات الإنسانية، وكأن الآيات الكريمة تقول لنا الإيجاد والإحياء والأقدار والرزق كرم ربوبيته، أما الأكرم فهو الذى أعطاك العلم؛ لأن العلم هو النهاية فى الشرف.
كما أن العلاقة بين المعنى السابق فى خلق الإنسان من علق بفضل ربه وكرمه وبين الذى علم بالقلم، انتقال بالإنسان كذلك من الوقوف على كمال القدرة والحكمة والعلم والرحمة إلى الوقوف على الأحكام التى لا يستقيم الخلق إلا بها، والتى لا سبيل إلى معرفتها إلا بالتعلم والاستماع إلى ما يأتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من عند ربه، فالحالة الأولى معرفة الربوبية. والثانية: الوقوف على النبوة وتقديم الأولى على الثانية تأهيل للإنسان للإقبال على النبوة وما يتبعها من تكليف إقبالا صحيحا مستجيبا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: ٢٤].
وأما قوله تعالى: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) [العلق] فإشارة إلى أهمية هذه الآلة وتلك


الصفحة التالية
Icon