الأداة التى يتم بها تقيد العلم فيجتمع للإنسان فضلان عظيمان؛ فضل القراءة وبها يحصل العلم، وفضل تقييد العلم بالكتابة، ولذلك شبه الكلام بالريح الذى لا تبقى وقيده بالكتابة، وشبه العلم بالصياد الذى يصيد العلوم، والبدء بمبدإ الكتابة مع القراءة سبيلا للعلم النافع فى بداية نزول القرآن الكريم نقل للعرب خاصة، وللعالمين عامة من أمية متفشية، ومن جهالة مطبقة، ومن ضلال مبين، ومن ظلمات إلى حالة التعلم والتعليم، وإلى الحلم ونور المعرفة، وإلى الهدى والرشاد، إلى النور والوضوح والطريق المستقيم، فالعرب كانوا أميين، وكان عدد الذين يقرءون ويكتبون فى جزيرة العرب ضئيلا جدا، وكانت الجهالة عامة فيهم، وأما بقية العالمين فكانت تعيش ما يسمى بعصر الظلمات فى جوانب حياتها كلها. ولذلك وجدنا عناية الإسلام من اللحظة الأولى بنقل الإنسان إلى نور العلم وسبيل ذلك القراءة وكذلك الكتابة، وإذا اجتهد الإنسان وسلك سبيل العلم بالقراءة والكتابة باسم ربه وامتثالا لأمره وجد المزيد من توفيق الله له فعلمه ما لم يكن يعلم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة: ٢٨٢]، فمن علم
بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم.
هذه هى الآيات الأولى التى عطرت الدنيا، فكانت أول ما نزل من وحى ربنا من فضله وكرمه ومنته على العالمين، ورأينا كيف اجتمع فيها من المبادئ ما يمكن أن نقول:
إنها المفاتيح لهذه الأمة لتبدأ مكانتها، ولتنقل إلى الرشد والهدى، إن هذه الآيات الكريمات ذكرت الناس بربهم ليستجيبوا، وليمسكوا بمفتاح فلاحهم، وليقرءوا ما أنزل إليهم من ربهم، وما ينفعهم فى حياتهم، وليكتبوا ما تعلموه حتى يفيد منه أبناؤهم، وحتى يتمكنوا من تبادل معلوماتهم. بهذا أمرهم من خلقهم من علق، ومن نقلهم إلى هذا الشرف العلمى، ومن أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، ومنحهم العيون التى يقرءون بها، والآذان التى يسمعون بها، والشفاه التى يتكلمون بها، والبيان الذى ينطقون به، والأيدى التى يكتبون بها، فإذا استجابوا منحهم المزيد من علمه.
إنها ربطت المخلوقين بربهم، ووضعتهم على سبيل رشادهم، ونلاحظ مع هذه الآيات الكريمة أنها بدأت بأمر «اقرأ» ولكنه أمر ممتزج ببيان ما يتيسر تنفيذه، وما يرشد استعماله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: ١] وتلا ذلك الإخبار والتذكر والنظر المتدبر، فأخبرت الآيات عن أن الله سبحانه خلق، وخلق الإنسان من علق؛ ليتأمل السامع والقارئ ذلك وتكون هذه من الأسس والقواعد التى تفصل بعد ذلك فى كتاب الله تعالى؛ لتشتمل


الصفحة التالية
Icon