على الأمر والنهى فيما يسمى بالأحكام المتعلقة فيما بين العباد وربهم، وفيما بين العباد وبعضهم، وتشتمل على العقيدة التى هى أساس الأحكام وغيرها، فتربط الناس بربهم سبحانه بتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتشتمل كذلك على ما تصحب هذا التعلم من معرفة شاملة لما يتحلى به من خلق كريم، وما يعرف من أخبار سبقت أو حوادث تجرى، كما تدعو إلى التأمل والتدبر فيما يكون فى حياة الإنسان وخلقه، هذه هى البدايات المباركة فى آيات الذكر الحكيم، ويبقى بعد ذلك أن نذكر المناسبة بين هذه الآيات الكريمة الأولى والآيات التى تلتها والتى تبدأ بقول الله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) [العلق].
فمتى نزلت وهل هى تالية فى نزولها لهذه الآيات الأولى أم لا؟
لقد تتابعت الآيات فى السورة الكريمة في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨)... إلى آخر السورة الكريمة فهل هذا الترتيب على ترتيب نزولها؟ نقول إن ما تضمنته الآيات الكريمة من معانى تدل على تأخر نزولها، وأنه نزلت آيات أخر بعد الآيات السابقة سنذكرها إن شاء الله فى حينها- بعد إكمال سورة العلق- ولكن لم يعرف على وجه التحديد الدقيق متى نزلت الآيات الكريمة من قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) إلى قوله جل شأنه: لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩) [العلق] حتى نجعلها فى مكانها من ترتيب نزولها إلا أن ما تضمنته من المعانى يجعل وقت نزولها قريبا من هذه الآيات الأولى، كما أن ترتيب هذه الآيات الكريمة بالآيات السابقة- وهو ترتيب توقيفى كما مر بنا- يجعل المعانى مترابطة ترابطا وثيقا تتحقق فيه الوحدة العضوية لتكون سورة العلق بمجموعها مشتملة على المبادئ الأساسية فى حياة الدعوة، وفى حاجة الناس، والتى فصلت بعد ذلك فى السور القرآنية والأحاديث النبوية وعلى ذلك سنتناول هذه الآيات بالحديث عنها هنا.
ففي قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) [العلق] يذكر أكثر المفسرين أن المراد من الإنسان هنا: إنسان واحد هو أبو جهل، ومنهم من قال: نزلت السورة من هنا إلى آخرها فى أبى جهل، وقيل: نزلت من قوله أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إلى آخر السورة فى أبى جهل: قال ابن عباس: كان النبى صلّى الله عليه وسلم يصلى فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فزجره النبى صلّى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: تالله إنك لتعلم أنى أكثر أهل