ولذلك نجد المبدأ التالى يدعم ما مضى حيث يقترن الأمر بالقراءة بالتذكير بالرب الأكرم سبحانه؛ فمنه وحده النعم التى يسديها بلا مقابل، وهذا يملأ القلوب حبا للمنعم تبارك وتعالى.
المبدأ الثالث فى الآيات: أن أجل نعم الله على الإنسان أن علّمه وهداه إلى الانتفاع بهذا العلم، فأرشده إلى تقييده بالقلم واستثارته بالقراءة؛ فالعلم إذن منه سبحانه، ولا علم للإنسان إلا من خالقه الأكرم سبحانه، فهو الذى خلقه وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا وأمده بأجهزة التعلم فجعل له السمع والأبصار والأفئدة، وعلمه ما لم يكن يعلم.
وذكر العلم فى هذا السياق وامتزاجه بالمبادئ السابقة يجعله علما نافعا مفيدا للإنسان وللبشرية؛ فهو علم مسبوق ومصحوب بذكر الخالق سبحانه، وذكر آلائه ونعمه، ومسبوق بالتهيئة النفسية للاستجابة لأمر الله، وتحقيق التوحيد فى قلب الإنسان؛ توحيد الألوهية والربوبية.
من هذا، نستنتج تاريخ هذه المبادئ القرآنية، وأنها تمثل أهمية كبرى حيث بدئ بها وعنيت بها الآيات الأولى من التنزيل الحكيم وهي إذن مفاتيح البناء التى ينبغى أن نعنى بها فى تربية أبنائنا ونفوسنا.
وتمضى بنا آيات السورة الكريمة الأولى فى تقرير مجموعة أخرى من المبادئ التى تمثل تحذيرا من الخروج عن المبادئ الأولى السابقة، فالأول منها التحذير من الوقوع فى دائرة الطغيان، ويرتبط بذلك بيان عامل هذا الطغيان الأساسى، وهو أن يتصور الإنسان فى لحظة من اللحظات أنه يمكن أن يستغنى عن خالقه ورازقه وآمره وناهيه، فينسب ما فيه من رزق إلى مهارته وجهده ناسيا كيف خلق من علق؟ وكيف رزق وعلم؟ وكيف وجه وأمر من ربه ليرشده إلى فلاحه؟ أو أن يصل إلى الغنى المادى بطريق غير مشروع فيرى نفسه غنيا فيدعوه هذا الغنى بالباطل إلى الطغيان، وتجاوز الحد فى البغى والعدوان.
المبدأ الثانى فى هذه التنبيهات والتحذيرات- والذى يمثل وقاية للإنسان من هذا الطغيان: أن يتذكر مبدأ الرجوع إلى الله إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨)، وهذا أول تنبيه من الوحى للإنسان نحو هذه الحقيقة التى نسيها أو تعامى عنها أو أنكرها، وحول حياته نتيجة لهذا الإنكار أو التغافل إلى حياة ظالمة طاغية عاشت على الظلم واستمرأته،


الصفحة التالية
Icon