ودافعت عنه ووقفت فى وجه من أراد أن ينقذ البشرية من هذا الطغيان، ومن ظلم الإنسان لنفسه ولغيره. فتقرير مبدأ الرجعى والمنتهى والمعاد مبدأ فى السورة الأولى، وهو- كما أشرنا- أساسى وضرورى يعصم الإنسان من الطغيان لنفسه ولغيره، وتقدم لنا الآيات الكريمة فى استفهام بلغت للسامع صورة من صور هذا الطغيان المواجه للخير والاستقامة، والذى يدل على إصرار صاحبه فى المحافظة على جو الظلم وظلماته، فيمنعه أن يسمع كلمة يهدى الحيارى، أو أن يرى فعلا يوقظ فى الإنسان معنى العبودية لله تعالى، إنه لا يحب أن يرى صالحا فى نفسه أو هاديا إلى البر والصلاح والتقوى فيقول الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) [العلق].
والذى يلفت نظرنا هنا: أن الآيات الأولى تقرر الحقائق بصورة مجملة ليتبعها التفصيل بعد ذلك، فذكر المعاد يذكر إجمالا؛ ليفصّل بالأدلة والبراهين بعد ذلك لتنتقل بنا الآيات الكريمة إلى معوقات البناء الإنسانى المتمثلة فى نماذج الطغاة، ومنهم الطاغية الذى أشارت إليه الآيات بهذا الاستفهام، وهو أبو جهل- لعنه الله.
أخرج ابن المنذر عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل لأطأن على رقبته،
ولأعفرن وجهه فى التراب، فأنزل الله: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى... (٦) الآيات. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلى فجاءه أبو جهل فنهاه، فأنزل الله: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) إلى قوله تعالى: كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦).
وفى رواية أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الصلاة فنكص على عقبه، فقالوا له:
مالك يا أبا الحكم؟ فقال: إن بينى وبينه لخندقا من نار وهولا شديدا، وفى هذا الموقف دلالة على أن الآيات الأخيرة من السورة الكريمة نزلت بعد أن انتشر الأمر وعرف الناس الصلاة بالصورة التى بدئت بها فى أول الأمر، ولكن ليس الفارق الزمنى كبيرا.
لقد تعرفنا على مجموعة من المبادئ التى تضمنها القسم الأول من السورة، ثم تعرفنا على المبادئ الضابطة للسلوك الإنسانى ليستقيم على هذه المبادئ؛ ومنها حمايته من الطغيان بتذكره لربه وفقره إليه عدم استغنائه عنه، ثم بتذكر الرجعى، ثم بالوقوف


الصفحة التالية
Icon