على نموذج الطغاة متمثلا فى أبى جهل، وكيف كان حاله؟ إن حاله يدعو إلى العجب الذى نجده فى الخطاب مع الرسول على سبيل التعجب أَرَأَيْتَ؟ ووجه التعجب فى ذلك أمور منها: أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم أعز الإسلام إما بأبى جهل بن هشام أو بعمر فكأنه تعالى قال له: كنت تظن أنه يعز به الإسلام أمثله يعز به الإسلام؟ وهو ينهى عبدا إذا صلى، ومن وجوه التعجب كذلك: أن أبا جهل كان يلقب بأبى الحكم فكأنه تعالى يقول: كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن طاعة ربه؟ أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثان؟ ومن هذه الوجوه كذلك: أن ذلك الأحمق يأمر وينهى، ويعتقد أنه يجب على الآخرين طاعته مع أنه ليس بخالق ولا رب، ثم إنه ينهى عن طاعة الرب والخالق ألا يكون هذا غاية الحماقة؟
وينهى من؟ ينهى عبدا، والتنكير هنا يفيد أمورا منها: الدلالة على كون العبد كاملا فى العبودية، كأنه يقول: إنه عبد لا يفى العالم بشرح بيانه وصفة إخلاصه فى عبوديته، يصدق هذا المعنى ما روى من أن يهوديا من فصحاء اليهود جاء إلى عمر فى أيام خلافته فقال: أخبرنى عن أخلاق رسولكم، فقال عمر: اطلبه من بلال فهو أعلم به منى.
ثم إن بلالا دله على فاطمة ثم فاطمة، دلته على على رضي الله عنهم فلما سأل عليّا عنه قال:
صف لى متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه، فقال الرجل: هذا لا يتيسر لى، فقال على: عجزت عن وصف متاع الدنيا، وقد شهد الله على قلته حيث قال: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ [النساء: ٧٧]. فكيف أصف أخلاق النبى وقد شهد الله تعالى بأنه عظيم حيث قال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) [القلم]، فكأنه تعالى قال: ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية وذلك عن الجهل الحمق.
كما يدل التنكير على أن هذا النهى كان دأبه وعادته فينهى كل من يرى وهذا أبلغ فى الندم.
كما أن هذا له دلالة كذلك فى التخويف لكل من نهى عن الصلاة، ويستمر التعجب فى خطاب الله سبحانه لرسوله صلّى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢)؟
[العلق] وهذا ينسجم مع الخطاب السابق أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً، وينسجم مع الخطاب اللاحق: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣)؟ ويكون المعنى: أرأيت إن كان هذا الكافر على الهدى، أى صار على الهدى، واشتغل بأمر نفسه، أما كان يليق به ذلك