ويذهب بعضهم إلى أنه لا صيغة للعموم في اللغة، قال: لأن كل لفظ صيغته صيغة العموم، قد جاء مثله في الخصوص، وليس الأمر كذلك؛ لأن صيغة العموم معروفة، ولا يخص إلا دلالة وحيث لا دليل فهو على أصل العموم، ألا ترى أن قوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) لا يجؤز أن تخص، لأنه لا دليل فيه فهو على العموم، وصيغته صيغة العموم، وأما قوله تعالى: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) فقد دل على أنه مخصوص، فكأنه قال: قد أوتيت أكثر الأشياء فهذا الأصل، والأول مجاز، وإذا خرج شيء عن الأصل؛ فإن الأصل لا يبطل به، وكل شيء موقوف على دليله، وألفاظ العموم من فيمن يعقل وما فيما لا يعقل، وأين في الأمكة، ومتى في الأزمنة، وكل فيمن يعقل وفيما لا يعقل، وغير ذلك فيما ذكره العلماء.
الثاني: المؤمنون خاصة، قال اللَّه: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) يعني: أن للمؤمنين يلعنونهم فاللفظ عام، والمعنى خاص، ويجوز أن يعني: أن بعضهم يلعن بعضا في الآخرة مع لعن المؤمنين لهم، فيكون معنى الآية على ظاهره، وتأويل هذا قوله تعالى: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا).
وقال الربيع: يراد لعن المؤمنين لهم ويخرج هذا على قولك المؤمنون هم الناس؛ كأنَّه لا يعتد بغيرهم، ومثل هذه الآية قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ) أي كما آمن غيركم من الناس، وقيل: يعني بالناس هاهنا عبد اللَّه بن سلام وأصحابه.
الثالث: بنو إسرائيل خاصة، قال الله: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي).
الرابع: من كان على عهد آدم وأهل سفينة نوح - عليه السلام -، قال اللَّه: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) وقد مضى القول في هذا.