٦٧] وقوله تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: ٣٥].
وكقوله في سورة النحل: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ بالإضافة إلى ما تفعله قصص الأنبياء في نفسه من إعطائه المثل في التعزي والتصبر على أذى المعاندين؛ لأن شرف الرسالة يتفق مع صعوبة مسئولياتها من ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا [الأنعام: ٣٤]، وقوله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [هود: ١٢٠].
والحكمة الثانية التي تستنتجها تتمثل في التدرج في تربية هذه الأمة الناشئة وتعليمها عن طريق تيسير حفظه، لأنه نزل على أمة لا تعرف القراءة والكتابة وتعتمد على الرواية الشفوية لا على التدوين في تبادل معارفها وعلومها وهم يرون أن الصحابة كانوا لا يتجاوزون الآيات بعد حفظها حتى فهموا معانيها، ويتدبروا ما فيها، يقول تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: ١٠٦] وبالتالي يسهل على العرب حفظ القرآن، وفهمه كذلك، يمهدهم شيئا فشيئا للتخلي عن عقائدهم وعباداتهم، للاندراج تحت عقيدة الإسلام وعباداته بالإضافة إلى ما في ذلك من تثبيت قلوب المؤمنين بما يقصه القرآن عليهم من وقت لآخر من قصص الأنبياء من جزاء المؤمنين وما أعد الله لهم يقول تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور: ٥٥].
والحكمة الثالثة: تتمثل في التدرج بالتشريع والأحكام وتلبية احتياجات المجتمع الجديد، فكلما جد جديد نزل من القرآن ما يناسبه من ذلك، والإجابة على تساؤلاتهم حول العقيدة والتشريع، كالآيات التي تبدأ بقوله يَسْئَلُونَكَ من ذلك قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: ٨٥] وقوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ [البقرة: ٢٢٠]، وكذلك ما أنزل في سورة النور من توضيح ملابسات حادث الإفك، وتبرئ السيدة عائشة وتكشف المتورطين في هذا


الصفحة التالية
Icon