وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [يونس: ٦١]. تشير إلى حقيقة الذرة، وإلى كونها الجزء الذي لا يقبل التجزئة، وأنها الوحدة الصغرى الأولى كما يشير، وفق زعمهم، إلى قابليتها للانقسام.
وفي مثل قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [الحجر: ٢٢] من أنه يشير إلى تدخل الرياح في تلقيح النباتات.
وكذلك الآيات فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ [الطارق: ٥ - ٧]. ومثل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [الحج: ٥] وكذلك قوله تعالى: فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: ٣٠] ومثل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: ١٨٩].
ومهما يكن من احتوائها على شيء يوافق العلم فلا بد من أن نلاحظ الآتي:
١ - إن هذه الآيات قد وردت في سياق الهداية لا في سياق التعليم، وتأمل بداياتها، فلينظر الإنسان - أولم ير الذين كفروا - لأن القرآن ليس كتابا متخصصا في علم من العلوم، فهدفه أكبر من ذلك وأشمل وإخراج الناس من الظلمات إلى النور لا يكون بإرشادهم في الكون بحقائق المعلوم ولا بمخاطبة عقولهم فقط، فمجاله هو النفس الإنسانية والحياة الإنسانية ودوره أن يضع الإنسان في مكانه المناسب من التصور الصحيح للوجود على ضوء ارتباطه بخالقه.
٢ - يجب أن نتوقف في فهم هذه الآيات عند سياقها القرآني الذي وردت فيه، بالإضافة إلى دلالتها اللغوية الأولى التي ترتبط بحياة العرب، الذين تنزل فيهم القرآن أولا.
٣ - ربط القرآن بالعلم هو ربط حقيقة نهائية مطلقة تهدف إلى بناء الإنسان بناء متناعما مع إيقاع الكون ومع الطبيعة الإنسانية، حتى يتم بينهما تنتج عن المعرفة، أما العلم فحقائق قابلة للتعديل، وفق التجارب المستمرة، أدواتها، ظروفها، قدرات أصحابها، ومن الممكن أن تنهار في عصر مقبل الحقائق العلمية التي يقوم عليها


الصفحة التالية
Icon