كتبته، ولا كتبته إلا وحفظته، ولا حفظته فنسيته" «١»، وهذا القول ليس فيه خيال، ولا تكثر بما لم يعطه، فكتب الرجل وآثاره ناطقة بواقعية ما قال وصدقه، وهذا ابن الجزري الإمام الثبت، يقول معقبا على قول الداني السابق:" ومن نظر كتبه علم مقدار الرجل، وما وهبه الله تعالى فيه، فسبحان الفتاح العليم، ولا سيما كتاب جامع البيان فيما رواه في القراءات السبع" «٢». وابن الجزري من أوثق الناس صلة بكتب الداني، ومعرفة بقيمتها.
ولو أتينا إلى كتاب جامع البيان، لوجدنا الداني يروي لنا القراءات السبع من أربعين رواية، ومائة وستين طريقا، حتى إذا أخذت تحصي أسانيده بالتفصيل وجدتها تزيد على الأربع مائة طريق، كل ذلك عن الأئمة السبعة فقط.
ولم يكن ذلك على كثرته ووفرته هو كل ما روى في القراءات، بل إن عنده في السبع وراء ذلك روايات وطرقا، لم يدخلها في جامع البيان. يقول الداني في جامع البيان، بعد أن فصّل أسانيده فيه:" فهذه الأسانيد التي أدت إلينا القراءة عن أئمة القراءة السبعة بالأمصار، من الروايات والطرق المذكورة في صدر الكتاب، قد ذكرناها على حسب ما انتهت إلينا رواية وتلاوة، وتركنا كثيرا منها؛ اكتفاء بما ذكرناه عما سواه، مع رغبتنا في الاختصار، وترك الإطالة والإكثار" «٣».
ولو عدنا إلى كتابه (الإشارة بلطيف العبارة، في القراءات المأثورات، بالروايات المشهورات) لوجدناه يضم فيه إلى السبع قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني (ت ١٣٢)، وقراءة أبي محمد يعقوب بن إسحاق البصري (ت ٢٠٥)، وأبي محمد خلف بن هشام البزار الكوفي (ت ٢٢٩) وحتى في القراءات السبع، يذكر فيه روايات لم يدخلها في جامع البيان، مثل رواية العباس بن الفضل الأنصاري قاضي الموصل (ت ١٨٦)، وأبي عبد الله محمد بن عمر بن عبد الله بن رومي البصري عن أبي عمرو بن العلاء، وغيرهما عن غير أبي عمرو من السبعة.
وهكذا نرى أن أبا عمرو الداني قد جمع الكثير والكثير من الروايات في علم القراءة عن السبعة وغيرهم، بحيث يتبدى لك قول ابن الجزري عن جامع البيان
(٢) غاية النهاية ١/ ٥٠٤.
(٣) انظر: جامع البيان الفقرة: ١٠٠٣.