٥ - حسن توفيقه بين الروايات التي ظاهرها التعارض:
أوتي الداني في ذلك ملكة قوية، ورزق حنكة ودربة على التوفيق بين النصوص، بدلا من ضرب بعضها ببعض، وقبول بعض ورد بعضها الآخر، فانظر على سبيل المثال توفيقه بين الروايات التي يقول بعضها: إن إسماعيل بن جعفر قرأ على عيسى بن وردان، وأن عيسى قرأ على نافع. ويقول البعض الآخر: إن إسماعيل قرأ على نافع نفسه «١».
وكذلك توفيقه بين الروايات التي يقول بعضها: إن الكسائي يقف على ما لهذا الكتاب [الكهف ٤٩] على رسم المصحف، وبعضها الآخر يقول: إنه يقف على ما «٢».
هذه المزايا عند الداني رفعته إلى مقام الإمامة في علوم القراءات، حتى قال فيه الذهبي:" إلى أبي عمرو المنتهى في إتقان القراءات، والقراء خاضعون لتصانيفه، واثقون بنقله في القراءات، والرسم، والتجويد، والوقف والابتداء، وغير ذلك" «٣».
وقال فيه ابن خلدون:" بلغ الغاية فيها، أي في القراءات، ووقفت عليه معرفتها، وانتهت إلى روايته أسانيدها، وتعددت تآليفه فيها، وعول الناس عليها وعدلوا عن غيرها" «٤».
وقال الضبي عنه:" إمام وقته في الإقراء" «٥».
هذا، وأبو عمرو يذهب إلى أن القراءات السبع متواترة وما وراءها شواذ، ينبيك عن ذلك أنه صنف كتابه" المحتوى في القراءات الشواذ" فأدخل فيها قراءة يعقوب وأبي جعفر «٦».
ولم تقعد همة الداني به عند حدود القراءات، بل سمت إلى سائر علوم القرآن؛
(٢) انظر الفقرات: ٢٥٠٠ - ٢٥٠٣ من جامع البيان.
(٣) تذكرة الحفاظ ٣/ ١١٢١.
(٤) مقدمة ابن خلدون ٣/ ٩٩٥.
(٥) بغية الملتمس: ٤١١.
(٦) انظر: سير أعلام النبلاء ١٨/ ٨١.