جامع البيان ومجموعة بحوث الكتاب والسنة [من مصطفى مسلم]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد أنزل الله جل جلاله القرآن بلسان عربي مبين، وجعله شفاء ورحمة للمؤمنين، ونورا وضياء وهدى للعالمين، وتكفّل بحفظه من التحريف والتبديل والزيادة والنقص على يد المضلين، ويسر حفظه وتلاوته على الصغير والكبير والمرأة والرجل والعرب والعجم وأهل الحضر والبادية فقال عزّ من قائل:
ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكر [القمر: ١٧].
ولقد هيأ لخدمة كتابه من كل جيل رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وتلاوة كتابه، وجعلهم أهله وخاصته، فتناقلوا قراءاته من الصدور إلى الصدور وحرصوا على تلقيه بنصه ولفظه كما تلقاه أمين الأرض عن أمين السماء وأدّوه إلى طلابهم كما أدّاه رسول الله ﷺ إلى أصحابه رضي الله عنهم. واتصل سند المتأخرين بأسانيد المتقدمين وسيبقى هذا السند ممتدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بإذن الله تعالى.
ولما كان في مسيرة هذا الركب المبارك حداة وهداة وأعلام وقمم تتفجر منهم ينابيع العلم والحكمة يرد إليهم الظامئون للنهل من معينهم السلسبيل، ويصدرون إلى الآفاق لنشر القرآن وعلومه، والدعوة إلى هداياته والعيش في ظلاله لينالوا شرف شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وكان من هؤلاء الأعلام عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر أبو عمرو الداني المتوفى سنة ٤٤٤ هـ الذي شهد له القاضي والداني بتفوقه في مجال قراءات القرآن، قال عنه ابن الجزري: «الإمام العلامة الحافظ أستاذ الأساتيذ وشيخ مشايخ المقرئين.. » وقال عنه ابن بشكوال: «كان أحد الأئمة في علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه وجمع في ذلك تواليف حسانا يطول تعدادها... »، وقال عنه الحافظ عبد الله بن محمد بن خليل: «لم يكن في عصره ولا بعد عصره بمدد أحد يضاهيه في حفظه وتحقيقه»، وكان يقول أي الداني عن نفسه: «ما رأيت شيئا إلا كتبته ولا كتبته إلا حفظته ولا حفظته فنسيته».
ومن نظر في كتبه علم مقدار الرجل وما وهبه الله تعالى فيه فسبحان الفتاح العليم ولا سيما كتاب (جامع البيان) فيما رواه في القراءات السبع، وله كتاب التيسير المشهور «١» ثم سرد جملة من كتبه في القراءات وغيرها.
ولقد طبع الكتاب غير مخدوم خدمة تليق بمكانة الكتاب العلمية، ثم حقق تحقيقا علميا في رسائل علمية بجامعة أم القرى- مكة المكرمة- من قبل د. عبد المهيمن عبد السلام الطحان وطلحة محمد توفيق، وسامي عمر إبراهيم، وخالد علي الغامدي.
فلما وقفت مجموعة بحوث الكتاب والسنة على هذا التحقيق العلمي الدقيق اتصلت بالمحققين وأخذت منهم الموافقة على طباعته ونشره. ولما كانت الرسائل العلمية لها منهج خاص في ترجمة المؤلف وبيان منهجه في الكتاب وإجراء الموازنات بين الكتاب المحقق وكتب أخرى في مجال التخصص فقد أسندت المجموعة إلى الدكتور عمار الددو وهو مختص بالقراءات وطلبت منه التنسيق بين قسم الدراسة للدارسين الأربعة، كما أسندت إلى أساتذة التفسير وعلوم القرآن في قسم أصول الدين بكلية الشريعة جامعة الشارقة لتدقيق الرسائل ومراجعة تجارب الطباعة وهم:
١ - أ. د. أحمد عباس البدوي
٢ - د. محمد عصام القضاة
٣ - د. عبد الله الخطيب
٤ - د. عفاف عبد الغفور حميد
وقد تم تحكيم الكتاب من قبل كلية الدراسات العليا والبحث العلمي ثم دفع به إلى المطبعة وها هو يخرج الآن بهذه الحلة القشيبة، وقد نال العناية والاهتمام ما يليق بجلالة قدر الإمام أبي عمرو الداني ومكانة كتابه جامع البيان في القراءات السبع، وهو الإصدار الثاني لمجموعة بحوث الكتاب والسنة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا بإصدارات أخرى وهي تحت المراجعة والتدقيق.
والمجموعة إذ تخرج في إصدارها الثاني تقدم الشكر إلى كل من عميد كلية الشريعة الأستاذ الدكتور عبد الناصر أبو البصل الذي هيأ البيئة الصالحة لأساتذة قسم أصول الدين للبذل والعطاء، وعميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي الأستاذ الدكتور عدنان العتوم لتذليله العقبات الإدارية أمام المجموعة للمضي قدما في مشاريعها العلمية من خلال قسم النشر برئاسة الشاب الدكتور عواد الخلف.
وترفع التقدير والامتنان لسعادة مدير جامعة الشارقة الأستاذ الدكتور إسماعيل محمد البشري الذي جعل دأبه متابعة البحوث والمشاريع التي ترفع من شأن الجامعة في ميادين البحث العلمي.
وعلى رأس الجميع لتوجيهاته الرشيدة وأوامره السديدة سمو الشيخ الدكتور سلطان محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة الرئيس الأعلى للجامعة الذي وفّر الدعم المعنوي والمادي للمجموعات البحثية عامة ومجموعة بحوث الكتاب والسنة خاصة للمضي قدما في مشاريعها العلمية.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الجهود الكريمة في صحائف أعمالهم وأن يثقل بها موازين حسناتهم إنه سميع مجيب.
منسق مجموعة الكتاب والسنة
أ. د. مصطفى مسلم