ولا نجده متداولا لدى الأسلاف، إنّما وقعوا على مفهومه، وإن اختلفت عنا تسمياتهم، فهو عندهم تشبيه المعقول بالمحسوس، وتكاد عناوينهم تماثل مصطلحاتنا النقدية التي استنارت بالعلوم الحديثة من فلسفة وعلم نفس ونقد حديث وعلم جمال، يقول صبحي الصالح عن الكتب القديمة: «توحي عناوينها بالكثير مما ينطق به مفهومنا الحديث للإعجاز، ولكن حين نمضي في قراءتها لا نستطيع أن نتملّى فيها جمال القرآن، وإنما نكوّن فكرة عن ولوع علمائنا بالتفريع والتبويب» «١».
والتجسيم جزء من التصوير، لأن التجسيم يتضمن إسباغ المظهر الحسي على الشيء المعنوي، والتصوير يشمل تشبيه المعقول بالمحسوس، والمحسوس بالمحسوس، فهو مصطلح أعمّ، ويستخدم التصوير وسائل مختلفة، كالحروف والأفعال والحوار وغير هذا.
أما وسائل التجسيم الموجودة في البيان القرآني، فهي مفردات مستمدة من الطبيعة الجامدة، والطبيعة المتحركة، ونقتصر هنا على الطبيعة المجسّمة للمعاني المجردة، أو حسب ما يقول القدامى «تشبيه معقول بمحسوس»، وسنفصّل القول في استخدام مفردات الطبيعة في فقرة تالية، وقد رأينا أن نستخدم مصطلح «التجسيم» دون «التشبيه»، لأن تجسيم الأفكار يعتمد على تشبيه المعنوي بالحسي، وعلى استعارة كلمة حسية للمعاني المجردة.
- مع جهود القدامى:
إننا نقع على جهد وفير بذله القدامى في هذه الجمالية، وهذا الجهد يقدّم تحت عنوان التشبيه أو الاستعارة، وهذا لم يمنع أن يبدوا تأملاتهم في قدرة المفردة المستعارة على إبراز المعاني الذهنية في صور حسية مؤثّرة.
ولا بدّ من الوقوف عند الرمّاني لمعرفة منهج الدارسين حسب التسلسل التاريخي في استخدام المفردة المجسّمة، يقول في الآية الكريمة: أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ