عاصِفٍ «١»: بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسّة إلى ما تقع عليه» «٢».
وهذا لا يبتعد عن مفهومنا للتجسيم الذي يقدّم المعنى في صورة بصرية لغاية التأثير، وإن كان هنا لا يؤكد أهمية مفردة الرّماد، وقد قلّده اللاحقون فعدّدوا أنواع التشبيه، فقالوا: إخراج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وإخراج ما لم تجر به عادة إلى ما جرت به، وإخراج ما لا يعرف بالبديهة إلى ما يعرف بها، وإخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوّة «٣».
ولا يهتم الباقلّاني بالمصطلح، بل يدلّ على جمال تصوير ما في النفس، فقد جاء في كتابه «٤»: «ومما يصوّر لك الكلام الواقع في الصفة تصوير ما في النفس، وتشكيل ما في القلب، حتى تعلمه كأنك مشاهده، وإن كان يقع بالإشارة، ويحصل بالدّلالة والأمارة قوله تعالى: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً «٥»، وقوله تعالى: قالُوا: لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ «٦» وتستوقفنا في كلامه عبارة «تصوير ما في النفس»، وعبارة «كأنك مشاهده»، وهذا خير دليل على سموّ تذوق القدامى وإدراكهم لجمالية التجسيم وفائدته في التأثير الوجداني، ويمكننا أن نقدمه على تعريف الرماني، فالباقلّاني يشير إلى عوامل هذه الصورة البصرية وفاعليتها، والتجسيم تصوير على أية حال.
وإذا عدنا إلى الآيتين اللتين استشهد بهما نجد أنه يقصد الإضاءة التي تنبع من كلمتي «أفرغ» و «منقلبون»، وإن كان لم يصرّح بهذه الجزئية، فهذا شيء يفهم من الآية، وهو يدرك أن معاصريه لفصاحتهم يدركون مكان الشاهد،
(٢) الرمّاني، علي بن عيسى، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٧٦.
(٣) انظر مثلا، العسكري، أبو هلال، الحسن بن عبد الله، ١٩٥٢، الصناعتين، تح د. محمد أبو الفضل إبراهيم، د. علي محمد البجاوي، ط/ ١ دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ص ٢٤٠.
(٤) الباقلاني، محمد بن الطيّب، إعجاز القرآن، ص/ ٢٤٤.
(٥) سورة الأعراف، الآية: ١٢٦.
(٦) سورة الشعراء، الآية: ٥٠.