فالشاعر يستميل قلب المتلقي من خلال تشكيل الكلمات، وكأن القلب واد يحاول الشاعر التوغّل فيه، ليحرّك ما فيه من مشاعر مكنونة، ولعل كلمة «الغاوون» تعضد رأينا.
وأحيانا يتداول الشاهد الذي ينصّ على إسهام المفردة في التجسيم، فتتشابه الأقوال، وتتلاقى الأذواق، ويبرز أحدها في التفرد بالإحساس الفني، وهذا التفرد يبدو أنه واحد من أسباب الاعتماد على شواهد السابقين، إذ يحاول الباحث الإضافة على سلفه، مع الاحتفاظ بفائدة بحثه وخبرته، فقوله تعالى:
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ «١» ما من كتاب إلّا صدّر به باب الاستعارة، وهم بين إشارة وإسهاب، وهذا ما يحبّذ هنا قول ابن أبي الإصبع المصري، وهو الذي أفاض في حسية هذه المفردة «اصدع» وفضلها في رسم معنى الدعوة الإسلامية ومشقّتها إذ قال: «المستعار منه الزجاجة، والمستعار الصدع، وهو الشق، والمستعار له عقوق المكلّفين، والمعنى صرّح بجميع ما أوحي إليك، وبين كل ما أمرت ببيانه، وإن شقّ ذلك على بعض القلوب فانصدعت، والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصديع في القلوب، فيظهر أثر
ذلك على ظاهر الوجوه من التقبّض والانبساط، ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار، كما يظهر ذلك على الزّجاجة المصدوعة المطروقة في باطنها» «٢».
وهاهنا الصّدع يعني بقاء أثر الدعوة ظاهرا، ولا يكون هذا في التحطيم، فكأن كلمات الخالق عز وجل تشقّ القلوب، وهذا لا يقلّل من شأن ما ذكره ابن أبي الإصبع، فقد ربط بين التصوير الحسي، وبين أبعاده النفسية.
ولا يقتصر هذا على كتب الإعجاز البياني، ففي كتب البلاغة العربية نجد دقة في التعبير بحيث تفي الكلمات القليلة بالمعاني النفسية التي توحي بها الآيات القرآنية، وقد فهم دارسو البلاغة العربية أن التحليل الأدبي لا يعني الإطناب، فنحن نفهم جمالية هذا التجسيم من قول القزويني المتوفى سنة ٧٣٩ هـ: «فإن المستعار منه صدع الزجاجة، وهو كسرها، وهو حسي،
(٢) ابن أبي الإصبع، ١٩٥٧، عبد العظيم بن عبد الواحد، بديع القرآن، تح:
د. حفني محمد شرف، ط/ ١، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، ص/ ٢٢.