تصوير القرآن، وهي «التجسيم»: تجسيم المعنويات المجردة، وإبرازها أجساما أو محسوسات على العموم، إنه ليصل في هذا إلى مدى بعيد، حتى ليعبّر به في مواضح حساسة جدّ الحساسية، يحرص الدين الإسلامي على تجريدها كامل التجريد، كالذات الإلهية وصفاتها» «١».
فالتجسيم جزء من التصوير، لأنه يقتصر على نقل المجرد إلى المجال لمحسوس، ولم يكن اهتمام سيّد قطب بالبعد النفسي للتجسيم جديدا أو شيئا منكر بوجوده ما ذكره الأقدمون، وإن كان هو وأغلب المحدثين لا يهتمون لتقرير نوع الاستعارة أو وجه الشبه وما شاكل ذلك، مما يطرأ على لسان لأقدمين، فالبعد النفسي موجود لمن ينظر بإنصاف إلى الكتب القديمة، وما أتى به قطب لا يعدّ بديلا عما سلف.
ولنقرأ قوله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ «٢» وننظر كيف يلقي لضوء في مفردة «أشربوا» إذ يقول: «تلك الصورة الساخرة الهازئة: صورة لعجل يدخل في القلوب إدخالا، ويحشر فيها حشرا، حتى ليكاد ينسى المعنى لذهني الذي جاءت به هذه الصورة المجسّمة لتؤديه، وهو حبهم الشديد لعبادة لعجل» «٣».
ويكاد لا يزيد هذا الكلام عن كلام الدارس القديم إلا بعدم ذكر كلمة الاستعارة، وهنالك شيء آخر، وهو إثارة الباحث المعاصر للخيال.
ولتأكيد هذا لا بدّ أن نذكر شاهدا آخر يؤكد فيه أهمية الكلمة المجسّمة بشكل جلي، يقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ «٤»، فهو يقول ما لا يختلف عما ذكره سابقا الزمخشري، إذ يقول سيّد قطب: «إن الخيال ليكاد يجسّم هذا الحرف الذي يعبد الله عليه هذا البعض من الناس،
(٢) سورة البقرة، الآية: ٩٣.
(٣) قطب، سيّد- في ظلال القرآن، مج/ ١: ٢/ ٢٦٥.
(٤) سورة الحج، الآية: ١١.