وإنه ليكاد يتخيل الاضطراب الحسي في وقفتهم، وهم يترجّحون بين الثبات والانقلاب» «١».
لقد دلّ الزمخشري على غاية القلق في كلمة «حرف»، لكن سيّد قطب يضيف إثارة الخيال لتملّي الجمال القرآني، وغالبا ما يستثير الخيال في صورة تدلّ على الحركة، فالقرآن في منظوره صور تتحرك، وأشخاصه كائنات لها فاعلية مستمرة، فالموقف المضطرب عند الزمخشري، وتخيّل الحرف عند قطب.
ولكن ما هي أسس قطب في مسألة التجسيم هذا؟ إن هي إلا الذوق الخاص والعاطفة الشديدة، وهذا ما يوصله إلى بعض من التوهم كما سنرى في مكان آخر.
وهو لا يعتمد علم الدلالة، أو علم الأصوات، أو الموروث اللغوي، أو دقة الفروق في دراسة المفردات، أما الزمخشري فقد ارتبط ذوقه الشخصي بالذوق العام، وتأكد بترسيخ المعنى في اللغة، وطبيعة النفس والحياة، وكأنما عرف قطب ذوقه الفرديّ النابع من عاطفة، فهو يذكر «يكاد» ليحدّ من مبالغته.
ومما يعد أصالة في كتبه تلك الوقفات الرائعة على البيان القرآني في كلمات لم ينتبه القدامى إلى تجسيمها، ومثل هذا في قوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ «٢» يقول سيد قطب: «تجسيم لهذا المعنى، وأي تعبير ذهني عن اللّجاجة في الخطيئة ما كان ليشعّ مثل هذا الظل الذي يصوّر المجترح الآثم حبيس خطيئته: يعيش في إطارها، ويتنفس في جوّها، ويحيا معها ولها» «٣».
فالقرآن يقدم أفكارا محسوسة، ويبعدها عن التجريد الذهني لأجل التأثير بأقصى فاعليته.
لكننا كثيرا ما نجد قطبا في تفسيره يظن التجسيم في كلمات مجسّمة بصوتها، أو بوجودها، ولا نستطيع أن نتوصل إلى ما يدلي به، وصحّة ما وقر
(٢) سورة البقرة، الآية: ٨٠.
(٣) قطب، سيد، في ظلال القرآن، مج/ ١: ١/ ٨٦.