من تلاه على هديه لاكتشاف الدّلالة النفسية المقصودة في مفردات الطبيعة داخل الصورة، يقول: «أوّل ما يسترعي النظر من خصائص التشبيه في القرآن أنه يستمدّ عناصره من الطبيعة، وذلك هو سرّ خلوده، فهو باق ما بقيت الطبيعة، وسرّ عمومه للناس جميعا... فلا تجد في القرآن تشبيها مصنوعا يدرك جماله فرد دون آخر» «١».
ويفسر حفني شرف ومحمد المبارك هذه العمومية، بكونها تتجاوز البيئة الجاهلية الظاهرة في الشعر، ففي الشعر نزعت الصورة إلى الإقليمية، وفي رأيهما أنه لا يفهمها إلا من عاش في تلك البيئة «٢».
ويبرهن عدنان زرزور على شمول الطبيعة القرآنية بقوله: «لا يمكن أن يقال في تشبيه ما إنّه من البيئة العربية، إلا ما كان من خصائص تلك البيئة وحدها، بحيث لا يشاركها فيه بيئة أخرى، أو بحيث يصعب فهمه ومعرفة مغزاه أو معناه على غير العربي» «٣».
وهو يقول هذا بصدد دحضه لتعسّف كتاب واحدة عبد المجيد التي تردّ تشبيهات القرآن إلى خصوصية البيئة العربية.
ولا شك في أن الطبيعة المختارة لإبراز جوانب الصورة الفنية هي شاملة، لأنها من حيث تأثيرها قائمة في أذهان كلّ مجتمع، فلا اختلاف في بلادة الحمار وغبائه، ومكر الثعلب، وصبر الجمل، ودناءة الكلب.
وقد ألبس القرآن هذه المفردات لبوسا جديدا في خضمّ التأثير الوجداني المنبث في الصورة، وقد كان القصد الفني سببه، وعلى الرغم من وجود الجراد والفراش والعنكبوت في البيئة العربية، فإننا نجد في القرآن مجاوزة للبيئة

(١) بدوي، د. أحمد، من بلاغة القرآن، ص/ ١٩٦، وانظر الشيخ أمين، التعبير الفني، ص/ ١٩٢، وكذلك المبارك، د. محمد، ١٩٦٤، دراسات أدبية لنصوص من القرآن، ط/ ٢، دار الفكر دمشق، ص/ ٦٠ - ٧٦.
(٢) شرف، د. حفني محمد، الإعجاز البياني، ص/ ٣٣٧، وانظر المبارك، د. محمد، دراسات أدبية لنصوص من القرآن، ص/ ٨٩.
(٣) زرزور، د. عدنان، ١٩٨٠، القرآن ونصوصه، ط/ ١، جامعة دمشق، ص/ ٢٨٨.


الصفحة التالية
Icon