مدخل في مفهوم الجميل عند العلماء المسلمين
إن مسألة الجمال وإدراكه قضية فطرية، فطر الله الخلق عليها، وخلق صفة الجمال وصفة القبح، غير أن الفكر الإنساني تعرّض لهذه القضية بالدراسة، وكانت الفلسفة اليونانية قد عنيت بدراسة الجمال أو فن الجمال، وكان لهذه الدراسة اتجاهان: مثالي ومادي، ثم جاء المسلمون، وقدّموا أفكارا جديدة في هذا المضمار.
ويجدر بنا هنا التوقف عند نظرات علماء مسلمين، لنبيّن وجهة نظرهم واهتمامهم بالمفاهيم الجمالية، لتكون هذه النظرات تمهيدا لفهم الجمال في المفردة القرآنية، فقد قدم المسلمون جهدا واضحا إلى الفكر الإنساني، ولم يكونوا بمعزل عن الحضارات بكل ما تتضمنه، كما أنهم أبدوا فاعلية كبرى في الفكر، يشهد لها التاريخ والنظرة العادلة.
فالجاحظ «١» مثلا ارتبط مفهوم الجميل عنده بالنافع، فقد جاء في كتابه «الحيوان» عن حسن النار: «ولولا معرفتهم بقتلها وإتلافها، والألم والحرقة المولّدين عنها لتضاعف الحسن عندهم، وإنّهم ليرونها في الشتاء بغير العين التي يرونها بها في الصيف، ليس ذلك إلا ما حدث من الاستغناء عنها» «٢».
فالمنفعة تزيد من حسن الجميل في نظر الإنسان، والدّفء المولّد عن النار
٢/ ٧٢٩.
(٢) الجاحظ، ١٩٥٢، الحيوان، تح: عبد السلام هارون، ط/ ١، مكتبة الخانجي القاهرة، ٤/ ٩٦ - ٩٧.